الأصلُ الرابع والعشرون بعد المائة : التقية
إنَّ أحَدَ التعاليم القرآنيّة هو أن يكتم الإنسانُ المسلمُ عقيدتَه إذا تعرَّضَ في نفسه ، أو عِرضِه أو مالِه لِخطرٍ لو أظهرها ، ويُسمّى هذا العَمل في لسانِ الشرع والمصطلَح الشرعيّ بالتقيّة.
إنّ جوازَ «التقيَّة» لا يحظى بالدَّليل النقليّ فحسب ، بل إنّ العقلَ يحكم أيضاً بصحّته ولزومه ، ويَشهَد بذلك في شرائط حسّاسةٍ ، وخطيرةٍ ، لأنّ حفظ النَّفس ، والمالِ ، والعِرض ، واجبٌ ، ولازمٌ من جهة ، وإظهارَ العقيدة والعمل وفقَ تلك العقيدة وظيفةٌ دينيّةٌ من جانبٍ آخر ، ولكن إذا جرَّ إظهارُ العقيدةِ إلى الخطر على النّفس والمال ، والعرض ، وتعارضت هاتان الوظيفتان عَمليّاً ، حكم العقلُ السليمُ بأن يُقدّم الإنسانُ الوظيفةَ الأهمّ على المهمّ.
والتقية ـ في الحقيقة ـ سلاحُ الضُّعفاء في مقابل الأقوياء القُساة ، ومن الجَليّ أنّه إذا لم يكن خطرٌ ولا تهديدٌ لم يكتم الإنسانُ عقيدَتَه ، كما لم يَعمل على خلافِ معتقَده.
ينصُّ القرآنُ الكريمُ في شأن عَمّارِ بن ياسر على عدم البأس عمّن يَقعُ في أيدي الكفار ، ويُظهرُ كلمة الكفر على لِسانِه للخلاص والنجاة ، وقلبُه عامرٌ بالإيمان مشحونٌ بالاعتقاد الصحيح :
(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١).
__________________
(١). النحل / ١٠٦.