ما قدّموه من تضحياتٍ ، وقرابين ، وعظمةَ ما تحمّلوه من مصائبَ مرّة ، حتى أنّهم ربّما هَجَرُوا بيوتهم ومنازلهم ولجئوا إلى الجبال.
لقد كانَ الشيعة على هذه الحال مع ما كانوا عليه من التقيّة ، فكيف إذا لم يُراعُوا هذا الأصل .. ترى هل كانَ يبقى من التشيُّع اليومَ إذا لم يَتّقوا ، أثرٌ أو خَبَرٌ؟
وأساساً لا بُدَّ مِن الانتباه إلى نقطةٍ مهمّةٍ وهي أنّه إذا استوجَبَت التقيّة لَوماً فإنّ هذا اللومَ يجب أن يُوجَّهَ إلى من تَسبَّبَها ، لأنّ هؤلاء بَدَل إجراء العَدل ومراعاة الرأفةِ الإسلاميّة أوجَدوا أصعَب ظروف الكَبت السياسي والمذهبي ضِدّ أتباع أهل البيت النبويّ ، لا أن يُلامَ مَن لَجَأ إلى التقيّة اضطراراً وحفاظاً على نُفُوسهم وأموالِهِم وأَعراضِهِمْ.
والعَجَبُ العجاب في المقام هو أن يتوجَّه البعضُ باللَّوم والنقد إلى العاملين بالتقيّة المظلومين ووصفهم بالنفاقِ بدل توجيه ذلك إلى مسبّبي التقيّة ، أي الظالمين ، هذا مضافاً إلى أنَّ «النفاق» يختلف عن «التقيّة» كاختلافِ المتناقضين ، والبَونُ بينهما شاسع وبعيدٌ بُعدَ السَّماءِ عن الأرض.
فالمنافِقُ ، يُبْطِنُ الكُفْرَ في قَلبهِ ويُظهِرُ الإيمانَ لِغَرض التجسس على عورات المسلمين أو الوصول الى منافع لا يستحقها ، في حين يكونُ قلبُ المسلم في حال التقيّة مفعماً بالإيمان ، وإنما يُظهرُ خلاف ما يعتقد لعلّة الخوف من الأذى ، والاضطهاد.