ثمّ إنّ هناك ـ مضافاً إلى الرّوايات المتواترة المذكورة التي تُثبت أنّ مسألة خلافة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مسألةٌ إلهيّةٌ ، وأنّه ليس للنّاس أيّ خيارٍ فيها ـ رواياتٍ تحكي عن أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان منذ الأيام الأُولى من دعوته في مكّة ، يوم لم تُشكَّلْ فيها حكومةٌ في المدينة بعدُ ، يرى أنّ مسألة خلافتهِ مسألةٌ إلهيّةٌ يعود أمر البتّ والتعيين فيها إلى الله وحده دون غيره.
فعند ما أتى رئيس قبيلة «بني عامر» إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في موسم الحج مثَلاً ، وقال : أرأيتَ إنْ نَحنُ بايعناكَ على أمرِكَ ، ثمّ أظهرَكَ اللهُ على من خالَفَك ، أيكونُ لنا الأمرُ من بَعدك قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الأمرُ إلى اللهِ يَضَعُهُ حيثُ يَشاء (١).
إنّ من البديهيّ أنّ أمرَ مسألة القيادة والخلافَة إذا كانت متروكةً للنّاس ، وانتخابهم لكانَ على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقول : «الأمرُ إلى الأُمّة» أو «إلى أهلِ الحَلّ والعَقد» ولكن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قالَ غير هذا. وبذلك طابَقَ كلامُ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في شأنِ الخلافة كلام الله تعالى في شأن الرسالةِ إذ قال :
(اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٢).
__________________
(١). سيرة ابن هشام : ٢ / ٤٢٢.
(٢). الأنعام / ١٢٤.