ومع ذلك فإنّنا يجب أن نقول : إنّه من الممكن إدراك سرّ الغيبة هذه في حدود فكرِنا البشريّ وهذا السّرّ هو ما يلي :
حيث إنّ آخرَ حُجَّةٍ من حجَج الله وآخر إمامٍ من أئِمة أهلِ البيت قد أرادَ اللهُ تعالى أن يُحقّق به الأُمنيةَ الكبرى (وهي بسط العدل والقسط ورفع راية التوحيد على كل ربوع الأرض) وهذه الأُمنية الكبرى وهذا الهدف العظيم لا يمكن أن يَتحقق إلّا بعد مرور ردح من الزمان ، وإلّا بعد تكاملِ العقلِ البَشَريّ وتهيّؤهِ الروحيِّ والنفسِيّ لذلك ، حتى يستقبلَ العالَمُ ـ بشوقٍ ورغبةٍ ـ موكبَ الإمام والمصلح العالميّ ، موكبَ العَدلِ والحريّةِ والسلامِ ، لهذا فإنّ من الطبيعيّ أنّ هذا الإمام لو ظَهَرَ بين النّاس ، وعاشَ بين ظهرانيِّهم قبلَ نُضُوج الأمر ، وحصولِ المقدّمات اللازِمة ، والأرضيّة المناسبة ، كان مَصيرُه ومآلهُ ، مصيرَ من سَبَقه من آبائِه من الأئمةِ الكرامِ البرَرَة (أي الشهادة) ، ولَقُتل عليهالسلام قبل أن يتحقّق ذلك الهدفُ العظيم ، وتلك الأُمنِيّة الكبرى على يديه.
ولقد أُشير إلى هذه الحكمة في بعض الرّوايات الصادِرةِ عن أهل البَيْت عليهمالسلام أيضاً.
فقد رُوي عن الإمام الباقر عليهالسلام أنّه قال : «إنّ لِلْقائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ ظُهُورِهِ».
يقول الراوي : قلتُ : ولِمَ؟
فقالَ الإمامُ الباقر : «يَخافُ (أي القتل)» (١).
__________________
(١). كمال الدين للشيخ الصدوق ، ص ٤٨١ ، الباب ٤٤ ، الحديث ٨.