ألف : انّ لله تعالى قدرةً وسلطةً مُطلقةً ، فهو قادرٌ على تغيير أيّ تقديرٍ ، وإحلالِ تقديرٍ آخر محلَّه متى شاءَ ، في حين يعلم سلفاً بكلا التقديرين ، ولا سبيل لأيّ تغيير إلى عِلمه قط أيضاً ، لأنّ التقديرَ الأوّل لم يكن بحيث يحدُّ من قدرةِ الله أو يَسلُبَ منه القدرةَ ، فإنّ قدرة الله تعالى على خلاف ما تعتقِدُهُ اليهود من كَونها محدودةً لقولهم : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) ، قدرةٌ مطلقةٌ ، أو كما قال القرآن :
(بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (١).
وبعبارةٍ أُخرى : إنّ خلّاقية الله وإعمال السُّلطة والقُدرة من جانبهِ تعالى مستمرٌ ، وبحكم قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢) فالله تعالى لم يفرغ سبحانه عن أمر الخلقِ ، بل عمليّة الخَلق لا تزال متواصِلة ومستمرة.
روى الصدوق باسناده عن الإمام الصادق عليهالسلام : أنّه قال في قول الله عزوجل : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) لم يعنوا أنّه هكذا ، ولكنّهم قالوا قد فرَغَ من الأمر فلا يزيدُ ولا ينقص (أي في العمر والرّزق وغيرهما) ، فقال الله جلّ جلالُه تَكذيباً لقولهم : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ). أَلم تسمَع الله عزَّ وجَلّ يقول : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣). (٤)
__________________
(١). المائدة / ٦٤.
(٢). الرحمن / ٢٩.
(٣). الرعد / ٣٩.
(٤). التوحيد للصدوق ، ص ١٦٧ ، الباب ٢٥ ، ح ١.