أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (١).
والآن يجب أن نرى ما هو العنصر الذي يميّز «العبادةَ» عن «التكريم»؟ وكيف يكون العملُ الواحدُ في بعض الموارد (مثل سجود الملائكة لآدم ، وَسُجود يعقوب وأولاده ليوسف) عينَ التوحيد ، ولكن نفسَ العمل يكونُ في مواردَ أُخرى عينَ الشرك والوثنية.
إنّ الجوابَ على هذا السؤال يتّضح من البحث السابق الذي كانَ حول التوحيد في التدبير.
إنّ العبادَة (التي نُفيت عَنْ غير الله ونُهي عنها) عبارة عن خضوع إنسانٍ أمام شيء أو شخصٍ باعتقاد أنّ بيده مصير العالم كلّهِ أو بعضه ، أو بيده اختيار الإنسان ومصيره ، وانّه مالك أمره ، وبتعبير آخر : ربّه.
أمّا إذا كان الخضوع أمام كائن ما لا بهذا الاعتقاد ، إنّما من جهة كونه عَبداً صالحاً لله ، وصاحبَ فضيلةٍ وكرامة ، أو لكونه منشأَ إحسان ، وصاحب يدٍ على الإنسان ، فإنّ مثل هذا العمل يكون مجردَ تكريم وتعظيم لا عبادةً له.
ولهذا السبب بالذات لا يوصف سجود الملائكة لآدم ، أو سجود يعقوب وأَبنائه ليوسف بصفة الشرك والعبادة فهذا السجود كان ينبع من الاعتقاد بعبوديّة آدم ويوسف إلى جانب كرامتهما ومنزلتهما عند الله ، وليس نابعاً من الاعتقاد بربوبيّتهما أو أُلوهيّتهما.
__________________
(١). الإسراء / ٢٣.