المؤمنين إنّ أناسا زعموا أنّ العبد لا يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ، ولا يأكل الربا وهو مؤمن ، ولا يسفك الدم الحرام وهو مؤمن ، فقد ثقل عليّ هذا وجرح منه صدري حين أزعم أنّ العبد يصلي صلواتي ويدعو دعائي ويناكحني وأناكحه ويوارثني وأوارثه وقد خرج من الإيمان لأجل ذنب يسير أصابه ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : صدقت ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول والدليل عليه كتاب الله عزوجل خلق الله الناس على ثلاث طبقات ، وأنزلهم ثلاث منازل وذلك قول الله عزوجل في الكتاب أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة والسابقون السابقون.
فأما ما ذكره من أمر السابقين فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين ، جعل الله فيهم خمسة أرواح : روح القدس وروح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن ، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين ، وبها عملوا الأشياء ، وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا ، وبروح القوة جاهدوا عدوّهم وعالجوا معاشهم ، وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شباب النساء ، وبروح البدن دبوا ودرجوا فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ، ثم قال الله عزوجل (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (١) ثم قال في جماعتهم : وأيّدهم بروح منه ، يقول : أكرمهم بها ففضّلهم على من سواهم ، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ، ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم ، ثم جعل الله فيهم أربعة أرواح : روح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن ، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى تأتي عليه حالات.
فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات؟ فقال : أما أولهنّ فهو كما قال الله عزوجل (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) (٢) فهذا ينتقص منه جميع الأرواح وليس يخرج من دين الله لأنّ الفاعل به ردّه إلى أرذل العمر ، فهو لا يعرف للصلاة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار والقيام في الصف مع الناس ، فهذا نقصان من روح الإيمان وليس يضره شيء.
ومنهم من ينتقص منه روح القوة فلا يستطيع جهاد عدوه ولا يستطيع طلب المعيشة ، ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يخر (٣) إليها ولم يقم ، وتبقى روح البدن فيه ، فهو يدبّ ويدرج حتى يأتيه ملك الموت ، فهذا الحال خير لأن الله عزوجل هو الفاعل به ،
__________________
(١) البقرة : ٢٥٣.
(٢) الحج : ٥.
(٣) في المصدر : يحن.