هذه السورة صيحة بالقلب البشري الغارق في التفاخر والتكاثر بالدنيا ومظاهرها ، وتنبيه له الى أن ما تفاخر به الى زوال ، وأن الدنيا قصيرة ، وأن الغاية الى حفرة ضيّقة ، وهناك ترى الحقيقة الباقية ، واليقين المؤكّد ، وتسأل عن هذه الألوان المتنوعة من الملذات ، وعن سائر ألوان النعيم ، عن الشباب والمال والجاه والصحة والعافية ما ذا عملت بها.
«وروي يسأل عن التنعم الذي شغله الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه ، وعن الحسن : يسأل عمّا زاد عن كنّ يؤويه ، وثوب يواريه ، وكسرة تقوّيه».
مع آيات السورة
[الآيتان ١ ـ ٢] : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢) أيّها السادرون الغافلون. أيّها اللّاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة ، وأنتم مفارقون ، أيّها المخدوعون بما أنتم فيه عمّا يليه. أيّها التاركون ما تتكاثرون به وتتفاخرون ، إلى حفرة ضيّقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر ، استيقظوا وانظروا. فقد شغلكم حبّ الكثرة والفخر حتّى هلكتم ، وصرتم من الموتى ورأيتم الحساب والجزاء.
وفي صحيح مسلم عن مطرف عن أبيه قال : «أتيت النبي (ص) وهو يقرأ : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) (١) قال : يقول ابن آدم مالي ومالك ، يا بن آدم ليس لك من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت ، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس».
[الآيتان ٣ ـ ٤] : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٤) أي ازدجروا عن مثل هذا التكاثر والتفاخر ، والجأوا إلى التناصر على الحق ، والتكاتف على أعمال البر ، والتضافر على ما فيه حياة الأفراد والجماعات ، من تقويم الأخلاق ، والتعاون على الخير والمعروف.
وإنكم سوف تعلمون سوء مغبّة ما أنتم عليه. (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٤) وهو تكرير للوعيد لتأكيد الزجر والتوبيخ ، كما يقول الإنسان لآخر : أقول لك لا تفعل ، ثم أقول لك لا تفعل.
[الآية ٥] : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٥) أي ارتدعوا عن تغريركم بأنفسكم ، فإنّكم لو تعلمون عاقبة