المبحث الأول
أهداف سورة «البيّنة» (١)
سورة البيّنة سورة مدنية ، آياتها ٨ آيات نزلت بعد سورة الطلاق.
تعرض السورة أربع حقائق تاريخية وإيمانية :
الحقيقة الأولى : هي أنّ بعثة الرسول (ص) كانت ضرورية ، لتحويل الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين ، عمّا كانوا قد انتهوا إليه من الضلال والاختلاف ، وما كانوا ليتحوّلوا عنه بغير هذه البعثة.
قال تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (٣).
الحقيقة الثانية : أنّ أهل الكتاب لم يختلفوا في دينهم عن جهل ، ولا عن غموض فيه ، وإنّما اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم ، وجاءتهم البيّنة : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٤).
الحقيقة الثالثة : أنّ الدّين في أصله واحد ، وقواعده بسيطة واضحة ، لا تدعو الى التفريق والاختلاف في ذاتها وطبيعتها البسيطة اليسيرة : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٥).
الحقيقة الرابعة : أنّ الذين كفروا من بعد ما جاءتهم البيّنة هم شرّ البريّة ، وأنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم
__________________
(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.