المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «العلق» (١)
أقول : لمّا تقدّم في سورة التين بيان خلق الإنسان في أحسن تقويم ، بيّن هنا أنه تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) (٢) وذلك ظاهر الاتّصال ، فالأوّل بيان العلّة الصورية ، وهذا بيان العلة المادية (٢).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). أقول : ومن المناسبة بين التين والعلق :
(أ) انه تعالى لما قال في آخر التين : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨) بيّن ، في أول العلق ، أنه تعالى مصدر علم العباد بحكمته. فبيّن أنه سبحانه : (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥). وصدّر ذلك بالأمر بالقراءة ، واستفتاحها باسمه دائما ، لتكون للإنسان عونا على كمال العلم بحكمة أحكم الحاكمين.
(ب) لمّا ذكر في التين خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وردّه إلى أسفل سافلين. بيّن في العلق تفصيل الحالين وأسبابهما من أوّل قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٧). الى (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (١٤).