المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «المَسَد» (١)
قال الإمام : وجه اتصالها بما قبلها : أنه لما قال تعالى في سورة الكافرون : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) فكأنه قيل : إلهي ، وما جزائي؟ فقال الله له : النصر والفتح. فقال : وما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام؟ فقال تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [الآية ١].
وقدّم الوعد على الوعيد ، ليكون النصر معلّلا بقوله تعالى في «الكافرون» : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦). ويكون الوعيد راجعا إلى قوله جلّ وعلا في السورة المذكورة : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) [الكافرون] ، على حد قوله سبحانه : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) [آل عمران : ١٠٦].
قال : فتأمّل في هذه المجانسة الحافلة بين هذه السور ؛ مع أن سورة النصر من أواخر ما نزل بالمدينة (٢) ، و «الكافرون» و «تبّت» من أوائل ما نزل بمكّة (٣) ليعلم ، أنّ ترتيب هذه السور من الله ، وبأمره.
قال : ووجه آخر ، وهو : أنه لما قال تعالى في «الكافرون» : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) كأنه قيل : يا إلهي ، ما جزاء المطيع؟ قال : حصول النصر والفتح. فقيل وما ثواب العاصي؟ قال : الخسارة في الدنيا ، والعقاب في العقبى ، كما دلّت عليه سورة تبّت.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). في حديث ، أخرجه مسلم عن ابن عبّاس : ٨ : ٢٤٢ ،. ٢٤٣ وفيها أنّها آخر سورة نزلت.
(٣). الإتقان : ١ : ٩٦.