المبحث الرابع
لكل سؤال جواب في سورة «البيّنة» (١)
إن قيل : المراد بالرسول هنا محمد (ص) بلا خلاف ، فلم قال تعالى (يَتْلُوا صُحُفاً) [الآية ٢] وظاهره يدلّ على قراءة المكتوب من الكتاب ، وهو منتف في حقّه (ص) ، لأنّه كان أمّيا؟
قلنا : المراد يتلو ما في الصحف عن ظهر قلبه ، لأنه هو المنقول عنه بالتواتر.
فإن قيل : ما الفرق بين الصحف والكتاب ، حتّى قال تعالى : (صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ)؟
قلنا : الصحف القراطيس ، وقوله تعالى : (مُطَهَّرَةً) : أي من الشرك الباطل ، وقوله تعالى : (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (٣) أي مكتوبة مستقيمة ، ناطقة بالعدل والحق ، يعني الآيات والأحكام.
فإن قيل : لم قال الله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٤). أي النبي (ص) أو القرآن ، والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى ، وهم ما زالوا متفرّقين يكفّر كلّ فريق منهم الاخر ، قبل مجيء البيّنة وبعدها؟
قلنا : المراد به تفرّقهم عن تصديق النبيّ (ص) والإيمان به قبل أن يبعث ، فإنّهم كانوا مجتمعين على ذلك ، متّفقين عليه بأخبار التوراة والإنجيل ؛ فلمّا بعث إليهم تفرّقوا ؛ فمنهم من
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.