المبحث الثالث
لكل سؤال جواب في سورة «الضحى» (١)
إن قيل : لم وصف (ص) بالضّالّ ، والنبي (ص) معاذ الله أن يكون ضالا : أي كافرا لا قبل النبوة ولا بعدها ، والضالّ أكثر ما ورد في القرآن بمعنى الكافر؟
قلنا : المراد به هنا أنه تعالى وجده ضالًّا عن معالم النبوّة وأحكام الشريعة فهداه إليها ، هذا قول الجمهور. الثاني : أنه ضل وهو صغير في شعاب مكة فرده الله تعالى إلى جده عبد المطلب. الثالث : أن معناه ووجدك ناسيا فهداك إلى الذكر ، لأنّ الضلال جاء بمعنى النسيان ، ومنه قوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (ج) [البقرة : ٢٨٢].
فإن قيل : لو كان الضلال بمعنى النسيان ، لما جمع بينهما في قوله تعالى : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢].
قلنا : لا ندّعى أنه حيث ذكر كان بمعنى النسيان ، فهو في تلك الآية بمعنى الخطأ ، وقيل بمعنى الغفلة. الرابع : أن معناه : ووجدك جاهلا فعلّمك.
فإن قيل : لم منّ سبحانه عليه بإخراجه من الفقر إلى الغنى ، بقوله تعالى : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) (٨)؟
قلنا : قال ابن السائب ، واختاره الفرّاء : أنه لم يكن غناه بكثرة المال ، ولكن الله أرضاه بما آتاه ، ولم يكن ذلك الرضا قبل النبوة وذلك حقيقة الغنى ، ويؤيّده قوله (ص) : «الغنى غنى
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرخ.