المبحث السادس
لكل سؤال جواب في سورة «الكافرون» (١)
إن قيل : لم قال الله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) ولم يقل «من» مع أنه القياس؟
قلنا : فيه وجهان : أحدهما أنه إنما وردت «ما» ، رعاية للمقابلة في قوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٢) الثاني : أن «ما» مصدرية : أي لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي. وقال الزمخشري : إنّما قال تعالى «ما» لأن المراد الصفة كأنّ المعنى : لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق ، وقال غيره : «ما» في الكل بمعنى الذي ، والعائد محذوف.
فإن قيل : ما الحكمة في التكرار؟
قلنا : فيه وجهان : أحدهما أنه للتأكيد ، وقطع أطماعهم فيما طلبوه منه. الثاني : أن الجملتين الأوليين لنفي العبادة في الحال ؛ والجملتين الأخريين لنفي العبادة في الاستقبال ، فلا تكرار فيه. وهذا قول ثعلب والزّجّاج ؛ والخطاب ، لجماعة علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون. وقال الزمخشري ، مما يرد الوجه الثاني ، وذلك أنه قال تعالى : (لا أعبد) أريد به العبادة في المستقبل ، لأن (لا) لا تدخل إلّا على مضارع في معنى الحال ، فالجملتان الأوليان لنفي العبادة في المستقبل ، والجملتان الأخريان لنفي العبادة في الماضي ، فقوله تعالى : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) (٤) أي ما عهدتم من عبادة الأصنام في الجاهلية ، فكيف يرجى مني بعد الإسلام ، وقوله تعالى :
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.