«وليس معنى هذا هو الاستسلام للخرافة ، ولكن معناه أن العقل ليس وحده هو الحكم في مقرّرات القرآن ؛ ومتى كانت المدلولات التعبيرية مستقيمة واضحة ، فهي التي تقرر كيف تتلقاها عقولنا ، وكيف نصوغ منها قواعد تصوّرها ومنطقها ، تجاه مدلولاتها ، وتجاه الحقائق الكونية الأخرى».
مع آيات السورة
[الآية ١] : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (١)؟ ألم تنظر أو ألم تعلم عن الحالة التي وقع عليها عمل الله الذي يتولّى أمرك ، بأصحاب الفيل ، الذين حاولوا هدم البيت الحرام ؛ والخطاب هنا للرسول (ص) ، وهو ، وإن لم يشهد تلك الواقعة ، لكنه شاهد آثارها ، وسمع بالتواتر أخبارها ، فالعلم بها مساو ، في قوّة الثبوت ، للعلم الناشئ عن الرؤية والمشاهدة.
[الآية ٢] : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) (٢)؟ لقد دبّروا كيدا للبيت الحرام ببناء الكنيسة وصرف وجوه الحجّاج إليها ، فضلّل الله كيدهم بأن أوقع الحريق فيها ، وكادوه ثانيا بإرادة هدم البيت ، فضلّل الله كيدهم بإرسال الطير عليهم.
ومعنى تضليل كيدهم ، أي إضاعته وإبطاله ، يقال : ضلّل كيده إذا جعله ضالا ضائعا ، ومنه قولهم لامرئ القيس : الملك الضّلّيل ، لأنه ضلّل ملك أبيه أي ضيّعه.
[الآية ٣] : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) (٣) أبابيل : جماعات أو طوائف على هيئة أسراب. أي أرسل الله عليهم فرقا من الطير.
[الآية ٤] : (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) (٤) السجّيل : الطين الذي تحجّر ، أو الحجارة المحروقة ، أي أرسل الله عليهم جندا من جنوده ، وكم لله من جنود لا يعلمها إلا هو ، لقد أرسل الله على أبرهة وجنده جيشا من الطير ، أسلحتهم حجارة صغيرة في مناقيرها ، ترمي الجندي بها ، فتنفذ من أعلى جسمه إلى أسفله ، فتنهرئ لحومهم ، وتتساقط متناثرة عن أجسادهم.
[الآية ٥] : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٥) العصف : ورق الزرع