الأول ، وهي في الوقت ذاته نموذج يتكرر في كل بيئة ، صورة اللئيم الصغير النفس الذي يؤتى المال ، فتستطير نفسه به ، حتى ما يطيق نفسه ، ويروح يشعر أن المال هو القيامة العليا في الحياة ، القيامة التي تهون أمامها جميع القيم وجميع الأقدار : أقدار الناس ، وأقدار المعاني ، وأقدار الحقائق. كما يروح يحسب أن هذا المال إله قادر على كل شيء ، لا يعجز عن دفع شيء ، حتى دفع الموت وتخليد الحياة.
ومن ثمّ ينطلق في هوس بهذا المال ، يعدّده ويستلذّ تعداده ، وتنطلق في كيانه نفخة فاجرة ، تدفعه إلى الاستهانة بأقدار الناس ، وهمزهم ولمزهم ، وانتقاص قدرهم ، وتحقير شأنهم. وهي صورة لئيمة من صور النفوس البشرية ، حين تخلو من المروءة. والإسلام يكره هذه الصورة الهابطة ، وقد نهى القرآن عن السخرية واللمز في مواضع شتى ، إلّا أن ذكرها هنا ، بهذا التشنيع ، يوحي بأنه كان يواجه حالة واقعية من بعض المشركين تجاه رسول الله (ص) وتجاه المؤمنين ، فجاء الردّ عليها في صورة الردع والتهديد والوعيد.
أسباب النزول
قال عطاء والكلبي : نزلت هذه السورة في الأخنس بن شريق ، كان يلمز الناس ويغتابهم ، وبخاصة رسول الله (ص).
وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبي (ص) من ورائه ، ويطعن فيه في وجهه.
وقال محمد بن إسحاق صاحب السيرة : ما زلنا نسمع أنّ هذه السورة نزلت في أمية بن خلف.
مع آيات السورة
[الآية ١] : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (١) : ويل وعذاب شديد لكل سبّاب عيّاب ، ينتقص الناس بالإشارة والحركة ، والقول والفعل ، وبناء الصفة على «فعلة» يفيد كثرة وقوع الفعل ، وجريانه مجرى العادة. وعن مجاهد وعطاء : الهمزة الذي يطعن الإنسان في وجهه ، واللّمزة : الذي يطعنه في غيابه.
[الآية ٢] : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) (٢) إن ما دعا هذا وأمثاله الى الحط