المبحث الأول
أهداف سورة «قريش» (١)
سورة «قريش» سورة مكّيّة ، آياتها أربع آيات ، نزلت بعد سورة «التين».
وهي امتداد لسورة الفيل ، فقد حفظ الله هذا البيت من كيد المعتدين «وكان لحادث الفيل أثر مضاعف ، في زيادة حرمة البيت عند العرب في أنحاء الجزيرة جميعها ، وزيادة مكانة أهله وسدنته من قريش ، مما ساعدهم على أن يسيروا في الأرض آمنين : حيثما حلّوا ، وجدوا الكرامة والرعاية. وشجّعهم ذلك على إنشاء خطّين عظيمين من خطوط التجارة ، عن طريق القوافل ، إلى اليمن في الجنوب ، وإلى الشام في الشمال ، وإلى تنظيم رحلتين تجاريتين ضخمتين : إحداهما إلى اليمن في الشتاء ، والثانية إلى الشام في الصيف».
وكانت حالة الأمن مضطربة في شعاب الجزيرة ، يفتخر الناس فيها بالصعلكة والسلب والإغارة والنهب ، ويعتدون على قوافل التجارة ؛ إلّا أنّ حرمة البيت في أنحاء الجزيرة قد كفلت لجيرانه الأمن والسلامة ، وجعلت لقريش منزلة ظاهرة بين العرب ، وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول في أمان وسلامة وطمأنينة ، وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين ، فصارتا لهم عادة وإلفا. وقد امتنّ الله على قريش بحادثة الفيل وحماية البيت ، وامتن عليهم بالأمان والحماية لهم ، وسعة الرزق ورغد العيش من ربح التجارة ، وبلادهم قفرة ، وهم طاعمون هانئون من فضل الله.
__________________
(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.