المبحث السابع
المعاني المجازية في سورة «القارعة» (١)
في قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ) (١١) استعارة. وهاوية هنا من أسماء النار ، كأنها تهوي بأهلها الى قعرها ؛ وإنّما جعلت أمّه لضمّها له واشتمالها عليه ؛ ويشبه ذلك قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٥) [الحديد]. وقد فسّر ذلك سبحانه بقوله : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ) (١١). وقال بعضهم : بل سميت هاوية لهويّ المعذّبين في قعرها ، فكان ظاهر الفعل لها وحقيقته لغيرها. كما قال تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٧). والمراد مرضيّة ؛ ونظائر ذلك كثيرة وقال بعضهم : إنّما خرج ذلك على مخرج كلام العرب ، لأنهم يقولون للواقع في المكروه ، والمرتكس في الأمر : هوت أمّ فلان. ويقولون : ويل أم فلان ، ويعنون : هوت أي سقطت في مهواة ، وهو مثل قولهم ظلّت وهلكت ، لأنّ هلاك ولدها كهلاكها. وقال كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار :
هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا وما ذا يواري الليل حين يؤوب وقال بعضهم معنى ذلك هوت أمّ رأسه ، وإذا هوت أمّ رأسه وهي معظم دماغه ، فقد هوى سائره وهلك.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.