المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «القدر» (١)
قال الخطابي (٢) لمّا اجتمع أصحاب النبي (ص) على القرآن ، ووضعوا سورة القدر عقب العلق ، استدلوا بذلك على أنّ المراد بهاء الكناية في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) الإشارة إلى قوله سبحانه (اقْرَأْ) [العلق : ١].
قال القاضي أبو بكر بن العربي. وهذا بديع جدا (٣).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). الخطابي هو : أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو سليمان. له شرح سنن أبي داود ، وبيان إعجاز القرآن. توفي سنة ٣٨٨ (وفيات الأعيان : ١ : ١٦٦). والنقل من (البرهان لأبي جعفر بن الزبير) كما قال السّيوطي «الإتقان» : ٣ : ٣٨٣.
(٣). أقول : وهناك مناسبة أخرى خفيّة ، هي أنّه تعالى لمّا ختم العلق بالأمر بالسجود والاقتراب من الله ، وكان المقصود من الاقتراب : التعرّض للرحمة الفائضة من الله على المصلّي ، والصلاة لا تكون إلّا بقرآن ، ذكر في أوّل هذه السورة أن القرآن رحمة في ذاته ، ورحمة في الزمان الذي نزل فيه ، وهو ليلة القدر ، التي تتنزّل الملائكة فيها ، بالروح والسلام على الكون.