القيّمة ، «وقصارى ما سلف أن أهل الكتاب افترقوا في أصول الدين وفروعه ، مع أنهم ما أمروا إلّا بأن يعبدوا الله ، ويخلصوا له في عقائدهم وأعمالهم ، وألّا يقلدوا فيها أبا ولا رئيسا ، وأن يردّوا إلى ربّهم وحده كلّ ما يعرض لهم من خلاف» (٢)
[الآية ٦] : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (٦). لقد كانت الرسل تتوالى كلّما فسدت الأرض ، لتردّ الناس إلى الإصلاح. أما وقد شاء الله أن يختم الرسالات إلى الأرض بهذه الرسالة الأخيرة الجامعة ، الشاملة الكاملة ، فقد تحدّد الموقف أمام الجميع بصفة قاطعة. فمن كفر بهذه الرسالة أو أشرك بالله ، فهو في نار جهنم يصلى نارها ، وهو من شرار الخلق ، جزاء إعراضه عن دعوة الحق ، وعن رسالة الله.
[الآية ٧] : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٧). أمّا من اهتدى قلبه للإيمان ، وكان إيمانه عن يقين وصدق ، فأتبع الإيمان بالأعمال الصالحات ، من عبادة وخلق ، وعمل وتعامل ، والتزام بشريعة الله والحفاظ عليها ، (أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) وهم صفوة الله من خلقه ، الذين منحهم الهدى ، ويسّر لهم العمل بأحكام هذا الدين. قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠].
[الآية ٨] : (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (٨). لقد أحسن الله جزاءهم في جنّات إقامة دائمة تجري من تحتها الأنهار ، في جمال ونعمة ولذّة دائمة ؛ وأسمى من ذلك سعادتهم برضا الله عنهم ، ومحبّته لهم ، ثمّ اطمئنانهم ورضاهم العميق عن ربّهم ، وثوابه ونعيمه. وذلك كلّه متوقّف على خشية الله ، والخوف منه والالتزام بأمره.
ملخّص السورة
لمّا بعث الله سيدنا محمدا (ص) تغيّر حال اليهود والنصارى والمشركين ، فمنهم من آمن به ، ومنهم
__________________
(٢). تفسير المراغي للأستاذ أحمد مصطفى المراغي ، ٣٠ : ٢١٥ ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، الطبعة الثالثة.