أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (١) : كانت الأرض في حاجة ماسّة إلى رسالة جديدة ، كان الفساد قد عمّ أرجاءها كلّها ، بحيث لا يرتجى لها صلاح ، إلا برسالة جديدة ، ومنهج جديد ، وحركة جديدة ، وكان الكفر قد تطرّق إلى عقائد أهلها جميعا ، سواء في ذلك أهل الكتاب الذين عرفوا الديانات السماويّة من قبل ثم حرّفوها ، والمشركون في الجزيرة العربية ، وفي خارجها.
وما كانوا لينفكّوا ، ويتحوّلوا عن هذا الكفر الذي صاروا إليه ، إلّا بهذه الرسالة الجديدة ، وإلّا على يد رسول ، يكون هو ذاته بيّنة واضحة ، فارقة فاصلة.
[الآية ٢] : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) (٢) أي محمّد (ص) ، وهو بدل من البيّنة ، يقرأ عليهم من صفحات كتابه المطهّرة ، وآياته المقدّسة ، ما يشتمل على المضمون الصحيح لكتبهم المنزّلة على أنبيائهم ، موسى وعيسى وغيرهما ، عليهم جميعا الصلاة والسلام.
[الآية ٣] : (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (٣) : يطلق الكتاب على الموضوع ، كما تقول كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة .. أي يشتمل القرآن على موضوعات وحقائق قيّمة تحتاج إليها البشرية ، ولا تصلح إلّا بها.
كان الفساد قد استشرى في الأرض ، وطمست معالم الحق ، وبهتت حقائق الأديان ، وانسحب رجال الدّين من ميدان الحياة ، واستبدّ الحكّام والملوك ، وعظمت نكايات اليهود بالنصارى ، واشتدّ تدبير الكيد من النصارى لليهود.
واختلف المسيحيون حول طبيعة المسيح (ع) ، وعذّب الحكام طوائف المخالفين.
[الآية ٤] : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٤) فلم يكن ينقصهم العلم والبيان ، وإنّما كان يجرفهم الهوى والانحراف.
[الآية ٥] : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٥). وهذه هي قاعدة دين الله على الإطلاق ، عبادة الله وحده ، وإخلاص الدين له ، والميل عن الشرك وأهله ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٥) وهذا هو الدين الذي جاء في الكتاب