المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «التكاثر» (١)
أقول : هذه السورة واقعة موقع العلّة لخاتمة ما قبلها ، كأنه لما قال تعالى هناك : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (٩) [القارعة]. قيل : لم ذلك؟ فقال جلّ وعلا : لأنكم (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) (١). فاشتغلتم بدنياكم ، وملأتم موازينكم بالحطام ، فخفّت موازينكم بالآثام ؛ ولهذا أعقبها بسورة العصر ، المشتملة على أن الإنسان في خسر ، إلّا من آمن وعمل صالحا ، وتواصى بالحق وتواصى بالصبر ؛ وفي ذلك بيان للفارق بين تجارة الدنيا الفانية وتجارة الاخرة الخالدة ؛ ولهذا أعقبها بسورة الهمزة ، المتوعّد فيها من جمع مالا وعدّده ، يحسب أن ماله أخلده. فانظر إلى تلاحم هذه السور الأربع ، وحسن اتساقها (٢).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). ومن المناسبة كذلك : التصريح هنا بوزن الأعمال التي أجملها في الزلزلة ، وبيّن أصلها في العاديات.