من أقدار الناس ظنّه الخاطئ بأنه ، إذ يجمع المال ، ويبالغ في عدّه والمحافظة عليه ، إنّما هو أمر يرفع قدره ، ويضمن له منزلة رفيعة ، يستطيع بها أن يطلق لسانه في أعراض الناس ، وأن يؤذيهم بالقول والفعل.
[الآية ٣] : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (٣) : أنّ حبه للمال أنساه الموت والمال فهو يأنس بماله ، ويظن أن هذا المال الذي أجهد نفسه في جمعه ، وبخل به حتّى على نفسه ، إنّما يحميه من الموت ويورثه الخلود.
[الآية ٤] : (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) (٤) : لقد قابل القرآن بين كبريائه وتعاليه على الناس ، وبين جزائه في الحطمة ، التي تحطم كل ما يلقى إليها ، فتحطم كيانه وكبرياءه.
[الآية ٥] : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) (٥)؟ : سؤال للتهويل والتعظيم ، أي : أي شيء أعلمك بها ، فإنّ هذه الحطمة ممّا لا يحيط بها عقلك ، ولا يقف على كنهها علمك ، ولا يعرف حقيقتها إلّا خالقها ، سبحانه وتعالى.
[الآية ٦] : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) (٦) : إنّها النار التي تنسب الى الله الذي خلقها ، وهي موقدة لا تخمد أبدا ، ثمّ وصف هذه النار بعدة صفات فيها تناسق تصويري يتفق مع أفعال «الهمزة اللّمزة».
[الآية ٧] : (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (٧) : إنها تصل الى الفؤاد ، الذي ينبعث منه الهمز واللمز ، وهي تتغلّب على الأفئدة وتقهرها ، فتدخل في الأجواف حتّى تصل الى الصدور فتأكل الأفئدة ؛ والقلب أشدّ أجزاء الجسم تألّما ، فإذا استولت عليه النار فأحرقته فقد بلغ العذاب بالإنسان غايته.
والنار لا تصل إلى الفؤاد إلّا بعد أن تأكل الجلود واللحوم والعظام ، ثمّ تصل إلى القلوب ، والأفئدة موطن الإحساس والاعتقاد. ومن كلمات عمر بن الخطاب للكفار : «حرق الله قلوبكم» أي أصابكم بأشدّ ألوان المحن والألم.
[الآية ٨] : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) (٨) : إنّها مطبقة عليهم لا يخرجون منها ولا يستطيعون الفرار أو الهرب ، قال تعالى : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) [الحج : ٢٢].