الأغنياء ، والفقراء عاجزون عن القيام بمثل ذلك ، والأغنياء القادرون على ذلك يخشون التعرض للتأنيب إذا تركوه ، وعلى هذا الأساس فانَّ عدم عمل الآخرين بهذه الآية لا يسلب الفضل عنهم (١).
ولكن ، يبدو أنَّ هؤلاء المفسرين الكبار! قد نسوا الآية الثانية خلال اختلاقهم لهذه المبررات ، إذ وجّه القرآن الكريم اللَّومَ لمن تناجوا آنفاً وتركوا ذلك بعد نزول حكم الصدقة ، فيقول تعالى : (ءَاشْفَقْتُم انْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَى نَجوَاكُم صَدَقَاتٍ).
ثم يعدُّ القرآن هذا الفعل وكأنّه معصية ، ويعتبرهم إجمالاً مشمولين بالتوبة «وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُم» ، ومن أجل تلافي هذا العمل القبيح أمرهم بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة واطاعة الله ورسوله.
فلو كان الوقت ضيقاً لما كان هناك ما يدعو للتأنيب واللوم ، ولا حاجة للتوبة ، وإذا كان هدفهم استقطاب قلوب الفقراء وازالة الاضطراب عن قلوب الأغنياء فهو عمل يستحق التشجيع والتكريم ، فلماذا يوجه الباري تعالى اللوم لهم ويتحدث عن التوبة؟ إذن من خلال التأمل في هذه الآية يتبيّن جيداً أنّ عملهم كان قبيحاً.
فالواقع أنّ القضايا الواقعة لا تتفق والحكم المسبق لهؤلاء الاخوة ، فإنّ كل شيء وحتى آيات القرآن الكريم يلفّها النسيان ، والحال أنّها شاخصة أمامهم.
وهنا يقول البعض من أجل التقليل من أهمية هذه الفضيلة : لقد كان الفاصل الزمني بين نزول آية النجوى ونسخها ساعة واحدة فقط ، لهذا لم يفلح كبار الصحابة بالعمل بها ، فهؤلاء من الناسين أيضاً ، حيث لم ينتبهوا إلى لحن آية النسخ ، الآية التي توجهت إلى بعض الصحابة باللوم لتركهم الصدقة خشية الاملاق ، وتغاضوا عن النجوى ، والآن فإنّ الله تعالى يقبل توبتهم.
فاذا كان الفاصل الزمني بينهما ساعة واحدة فقط لن يبق مجال لهذه الجدالات ، وعليه فمن المناسب أن تكون هناك رواية تقول : إنّ الفاصل الزمني بينهما كان عشرة أيّام (٢).
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ٢٧٢ ؛ وتفسير روح المعاني ، ج ٢٨ ، ص ٢٨.
(٢) في تفسير روح المعاني ، نقل هذا القول عن مقاتل الذي كان معاصراً للمنصور الدوانيقي ، ومن تلامذة التابعين.