من المسلَّم به أنّ كتاب الله معين لا ينضب من العلوم ، وأنّ العلم به مفتاح لجميع الامور ، فعندما يستطيع «آصف بن برخيا» وزير سليمان من القيام بهذا العمل المهم نتيجة لعلمه ببعض الكتاب ، ويأتي بعرش ملكة سبأ بطرفة عين من أقصى جنوب الجزيرة العربية (اليمن) إلى أقصى شمالها (الشام مركز حكومة سليمان) ، فمن المسلم به أنّ الذي عنده جميع علم الكتاب يستطيع القيام بأعمال أهم من ذلك كثيراً ، ولكن من الذي عنده علم الكتاب؟ يشير القرآن الكريم إلى ذلك إشارة غامضة.
فقال البعض : إنّ المراد هو الله تعالى (وعلى هذا سيكون عطف جملة «عنده علم الكتاب» عطفاً تفسيرياً ، وهذا يخالف ظاهر الكلام).
كما قال عدد من المفسرين : المراد منه هم علماء أهل الكتاب وأشخاص كسلمان ، وعبد الله بن سلّام الذين كانوا قد شاهدوا علامات النبي صلىاللهعليهوآله في الكتب السماوية السابقة ويشهدون بحقانيته صلىاللهعليهوآله.
إلّا أنّ أغلب المفسرين نقلوا في كتبهم أنّ هذه الآية إشارة إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام وأئمّة الهدى عليهمالسلام.
يروي المفسر الشهير القرطبي في تفسير هذه الآية عن عبد الله بن عطاء : قلت لأبي جعفر علي بن الحسين عليهالسلام : إنّ الناس يظنون أنّ الذي عنده علم الكتاب هو عبد الله بن سلام ، فقال : «إنّما ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه» ، هو علي بن أبي طالب فقط ، وكذلك قال محمد بن الحنفية ذلك (١).
والجدير بالذكر أنّ هذه السورة (سورة الرعد) نزلت في مكة والحال أنّ عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وسائر علماء أهل الكتاب أسلموا في المدينة.
وقد ورد هذا الكلام عن سعيد بن جبير أيضاً عندما سئل : هل أنّ «مَنْ عنده علم الكتاب» هو عبد الله بن سلام؟ قال : «كيف يكون هو وهذه السورة مكية» (٢)؟
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٥ ، ص ٣٥٦٥.
(٢) تفسير در المنثور ، ج ٤ ، ص ٦٩.