مستقلة؟ وعليه فإنّ مفهوم الآية يكون هكذا : لا يعلم تأويل القرآن غير الله ، أمّا الراسخون في العلم فيقولون : وإن كنّا لا نعلم تأويل الآيات المتشابهة ، إلّا أننا نُسلِّم أمامها».
وما يؤيد المعنى الأول هو أولاً : من المستبعد أن تكون في القرآن أسرار لا يعلمها إلّاالله فقط ، فالقرآن نزل لتربية الناس وهدايتهم ، ولا معنى في أن تكون في هذا الكتاب آيات وجملٌ لايعلم مقصودها إلّاالله تعالى.
ثانياً : كما يقول المفسر الكبير «الطبرسي» في «مجمع البيان» : لا يوجد بين المفسرين من يقول : إنّ الآية الفلانية لايعلم معناها إلّاالله ، بل إنّهم يسعون دائماً لكشف أسرار الآيات بطرق مختلفة ، منها أحاديث المعصومين عليهمالسلام ، وفي الواقع أنّ هذا الكلام يناقض إجماع المفسرين.
ثالثاً : إذا كان المقصود هو التسليم بدون علم فيجب أن يقال : «الراسخون في الإيمان ، لا الراسخون في العلم» ، فالذي لا يعرف شيئاً كيف يمكن تسميته راسخاً في العلم؟
رابعاً : جاء في عدّة روايات أنّ «الراسخون في العلم ، يعلمون تأويل القرآن» وهذا دليلٌ على أنّ هذه العبارة عطف على لفظ الجلالة «الله».
فنقرأ في حديث عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «الراسخون في العلم أمير المؤمنين والأئمّة من بعده» (١).
وجاء في رواية اخرى عنه عليهالسلام أنّه قال : «نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله» (٢). ونقرأ في رواية اخرى أيضاً ، أنّ الإمام الباقر عليهالسلام (أو الإمام الصادق عليهالسلام) قال في تفسير الآية : (وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى العِلمِ) : «فرسول الله أفضل الراسخين في العلم ، قد علمه الله عزوجل جميع ما أُنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلمه تأويله ، وأوصيائه من بعده يعلمونه كله) (٣).
وهنالك روايات عديدة اخرى بهذا الصدد تؤيد هذا المعنى المفهوم (٤).
__________________
(١) اصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢١٣ ، ح ٣.
(٢) المصدر السابق ، ح ١.
(٣) المصدر السابق ، ح ٢.
(٤) للمزيد من التوضيح ، يراجع كتاب جامع الأحاديث ، ج ١ ، ص ٢٧ ؛ وتفسير كنز الدقائق ، ص ٤٢ ـ ٤٥ ؛ واصول الكافي ، ج ١ ، ص ٤١٥.