وحينئذ يقال : بأنّ الحكم إذا ثبت على عام ، ثم تناقص أفراد هذا العام ، كما لو قال المولى : «أكرم كلّ فقير» ، ثم تناقص أفراده ، فهذا التناقص على نحوين.
١ ـ النحو الأول : هو أن يكون التناقص في مرحلة المجعول والانطباق الخارجي للموضوع الكلّي المقدّر الوجود على أفراده الخارجية ، كما لو فرضنا موت بعض الفقراء ، أو تحوّل بعض الفقراء إلى أغنياء ، وهذا التناقص أجنبي عن عالم الجعل ونفس المشرّع ، لأنه لم يتناقص به شيء عنده ، ومن هنا ، فإن الحكم المجعول من قبل الشارع بوجوب إكرام الفقير يبقى على عنوان الفقير ، بلا قيد ، حتى لو خرج أفراد من الفقير بموت ونحوه.
٢ ـ النحو الثاني : هو أن يكون التناقض في مرحلة عالم الجعل تخصيصا ، كما لو أتى دليل من قبل الشارع يقول : «لا يجب إكرام فساق الفقراء» ، أو «لا يجب إكرام الشيوخ من الفقراء» ، ويخرجهم من أول الأمر ، أو نسخا ، كأن يأتي دليل يخرجهم من وسط الزمان ، فهذا تناقص وتخصيص صادر من المولى في عالم الجعل ، لأنّه تضييق لدائرة القضية الحقيقية.
وحينئذ ، ورود مثل هذا المخصّص يكشف عن أنّ وجوب الإكرام غير ثابت للفساق الفقراء نهائيا ، وإنّما هو ثابت للفقراء العدول ، لكن هذا الوجوب الثابت للفقراء العدول ، هل هو ثابت لهم بما هم عدول ، أم انّه ثابت لذواتهم بما هم هم ، بلا أخذ قيد العدالة؟.
والكلام هنا ، إذن بحسب مقام الجعل ، أي انّه ما هو الجعل الذي نستكشفه؟ ولا إشكال في أنّنا نستكشف أنّ المولى حكم بوجوب إكرام الفقراء العدول ، لكن بأيّ نحو ، فإن كان قد ثبت لهم بما هم عدول ، فيكون المخصّص معنونا للعام ، إذ المخصص مع ضمّه إلى العام يكشفان عن إنّ الجعل قد تعلّق بالفقراء العدول بما هم عدول ، لأنّ وجوب إكرام الفقير العادل لا يخلو من أحد شيئين ، إمّا الإطلاق ، وإمّا التقييد ، أي انّه إمّا مقيّد بالعدالة ، أو مطلق من هذه الناحية ، والإطلاق معناه : انّ هذا يجب إكرامه ،