والحقيقة ، هي انّ الظهور كما يمكن أن نثبت به المراد ، كذلك يمكن أن نثبت به الاستناد عند العلم بالمراد ، وحينئذ ، يكون هذا الذي ذكرناه تخصيصا في دائرة حجية اصالة الظهور.
ومن هنا حاول المحقق الآخوند (قده) في مقام تفسير هذه القاعدة أن يبرر هذا التخصيص ، بتقريب انّ مدرك حجية الظهور إنّما هو السيرة العقلائية ، وهو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن منه إنّما هو ما إذا أريد بالظهور إثبات المراد عند الشك فيه مع العلم بالاستناد ، وليس العكس.
ونحن قد أشرنا في بحث دوران الأمر بين التخصيص والتخصص إلى أنّ مثل هذا البيان ليس تاما في كل الأدلة اللبية ، إلّا في الإجماع ، فإنّه لا بأس بدعوى عدم الإطلاق في معقده ، بينما أشرنا هناك إلى إنّ افتراض تفصيل من قبل العقلاء في حجية الظهور في المقام لا بدّ وأن يكون بإحدى عنايتين.
١ ـ العناية الأولى : هي أن يكون هذا التفصيل بين مورد ومورد ، باعتبار انّ كاشفية إمارة في هذا المورد أضعف من كاشفيتها في المورد الآخر ، وحيث انّ حجية الإمارات من باب الكاشفية ، فمن المعقول أن يفترض تفصيل على أساس درجة الكاشفية بين مورد ومورد ، باعتبار انّ كاشفيتها في أحدهما أقوى فيقال بالحجية في مورد دون آخر ، كما لو فصّلوا بين شهادة الثقة الذي هو عدو للمشهود عليه ، وبين شهادة الثقة غير العدو للمشهود عليه ، فأخذوا بالثانية دون الأولى.
٢ ـ العناية الثانية : هي إعمال نكتة نفسية ، وذلك بأن يفرض انّ كلتا الحالتين من حيث الكاشفية لا فرق بينهما ، لكن هناك نكتة نفسية اقتضت التمييز بين الحالتين في الحجية ، وبالتالي الحكم بالحجية في إحداهما دون الأخرى ، ومثاله : التمييز بين ظواهر الكلام ، وبين ظواهر الحال ، فإنّ ظهور الكلام إمارة على أن المراد هو المعنى الظاهر ، وظاهر الحال في هذا الإنسان أنّه عادل ، لكن مع ذلك ، بنى العقلاء على حجية ظاهر الكلام ، ولم يبنوا على حجية ظاهر الحال إلّا إذا رجع إلى ظهور الكلام.