أمّا نقضا ، فيقال : بأنّ هذا الاستثناء كما يصح من «الجمع المعرّف باللام» ، فإنّه يصح من «المفرد المعرّف باللّام» ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) ولو تمّ ما ذكرتم ، لزم أن نلتزم بقول من قال : بأن المفرد المعرف باللام ، يدل على العموم وضعا ، ولا وجه للفرق بين الجمع المعرف باللام ، وبين المفرد المعرف بها. هذا أولا ، وللزم ثانيا مخالفة المشهور القائلين بعدم دلالة «المفرد المعرّف باللام» على العموم ، فإن ادّعي أن الوجدان يشهد على الفرق بين الاستثناءين. حيث انّ دلالة الاستثناء من المفرد على العموم تحتاج إلى عناية ، بينما دلالة الاستثناء من الجمع على العموم لا تحتاج إليها ، قلنا : أولا ، هذا قياس ، فلا ينبغي قياس أحدهما على الآخر. وثانيا ، ينقض عليهم بالجمع المضاف كما في قولهم : أكرم علماء البلد ، فإنه لا إشكال في صحة الاستثناء منه بلا عناية مع أن المشهور عدم دلالتها على العموم.
وأمّا ما يجاب عن الوجه الأول حلا فهو : إنّ الاستثناء وإن كان معناه إخراج ما كان داخلا لولاه ، إلّا أنّ الأمر لا يدور في الدخول ، بين الدخول تحت المدلول التصوري الوضعي للمستثنى منه ، أو المدلول الجدّي ، بل هناك شق ثالث ، وهو الدخول تحت المدلول الاستعمالي للجمع ، إذ أنه لا إشكال في أن كلمة «العلماء» ـ الجمع ـ يصح استعمالها في كل مرتبة من مراتب الجمع بتمامه ، بنحو يكون المراد ، كلا منها بتمامها وكمالها ، ولا مجاز في ذلك ، لأنّ الواضع عند ما وضع هيئة الجمع لما يزيد عن اثنين ، إنّما وضع هذا ، كعنوان مشير إلى واقع الكثرات ، وحينئذ ، تكون الثلاثة مصداقا لهذا العنوان بتمامه ، وهكذا تكون الأربعة والخمسة مصداقا له ، ويكون صدقه عليها على حد واحد.
وبناء عليه نقول : إذا قال المتكلم : «أكرم العلماء إلّا زيدا» ، فإنّنا نستكشف أنّ زيدا داخل في المراد الاستعمالي من العلماء ، أي أنّ غاية ما يلزم من صحة الاستثناء هو دخول المستثنى في المراد الاستعمالي من المستثنى منه ، وهو الجمع المحلّى ، فيكشف عن أنّه قد استعمله في العشرة