وشخصيتهم وكذلك تتضمّنان نوع من حالة التفوّق وطلب العلو ، وبما أنّ مثل هذا الإنسان لا يرى في نفسه فضيلة وصفة حسنة فإنّه يتحرّك لجبران هذا النقص من موقع ذكر عيوب الآخرين ونقائصهم ليحرز بذلك تفوّقه (١).
وقد ذكرت بعض التفاسير وطبقاً لحديث شريف أنّ هاتين الصفتين هما من صفات المنافقين (٢) ، والتعبير بكلمة (ويل) في بداية هذه الآية والتي وردت في سبع وعشرين مورداً في القرآن الكريم هي إشارة إلى اللعن والهلاك وأنواع العذاب لمن يرتكب مثل هذه الأفعال ، وما يقال من أنّ هذه الكلمة إشارة إلى بئر أو وادي عميق في جهنّم ملتهب بالنيران هو في الواقع من قبيل تفسير الكلي بمصداقه.
وهذه الكلمة وكذلك كلمة (ويس) و (ويح) كلّها تأتي لبيان حالة التأسف التي تصيب الإنسان ، غاية الأمر أنّ (الويل) تأتي في الموارد الشديدة القُبح و (ويس) تأتي في مقابل حالة التحقير ، و (ويح) تأتي في مقام الترحّم (٣).
ومع الالتفات إلى موارد استعمال كلمات (ويل) في القرآن الكريم يتّضح جيداً أنّ هذه المفردة تستخدم في الموارد التي يكون فيها العمل قبيحاً جدّاً ، ومنه يتّضح كذلك أنّ الغيبة والتنابز بالألقاب يعتبر في دائرة المفاهيم القرآنية من أقبح الأعمال.
«الآية الثالثة» تتحدث عن الذين يشيعون الفحشاء بين الناس من موقع الذم لهم والتهديد الشديد بالعذاب الأليم لمرتكب هذه الرذيلة وتتضمّن كذلك ذم الغيبة لأنّ إشاعة الفحشاء تتمّ غالباً من خلال الغيبة أو التهمة فتقول : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)
وبالطبع فإنّ شأن نزول هذه الآية إنّما هو في مورد التهمّة التي نسبهما المنافقون لبعض زوجات النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ولكن مسألة إشاعة الفحشاء بين الناس لها مفهوم عام يستوعب
__________________
١ ـ روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٨.
٢ ـ المصدر السابق.
٣ ـ تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٢ ، ص ٩١.