ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمنتكم من شركاء في ما رزقنكم فانتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الأيت لقوم يعقلون (٢٨) بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدى من أضل الله وما لهم من نصرين)
قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) : من كان في الدنيا على حد التفرق فيوم القيامة يرجع إليها ، ومن كان في الدنيا على حد الجمع فيكون في الآخرة جمعا ، ومن كان مع الله فهو جمع ومن كان مع غير الله فهم متفرقون إلى أماكنهم من السعادات والشقاوات والبعاد والقربات ، فأهل القرب في مشاهدة الأنس والقدس ، وأهل البعاد في الوحشة والتفرقة.
قال أبو بكر بن طاهر : يتفرق كل إلى ما قدّر له من محل السعادة ومنزل الشقاوة ، ومن كان تفرقه إلى الجمع كان مجموع السر ، ينقلب إلى محل السعداء ، ومن كان تفرقه إلى فرقة كان متفرق السر ، ثم لا يألف الحق أبدا فيرجع إلى محل أهل الشقاوة ، ثم فسر الله سبحانه حال الفريقين بالنعتين المتضادين بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : وصف أهل الحبور بالإيمان والعمل الصالح ، فأما إيمانهم فشهود أرواحهم مشاهد الأزل في أوائل ظهورها من العدم ، وأما أعمالهم الصالحة فالعشق والمحبة والشوق ، فآخر درجاتهم في منازل الوصال الفرح بمشاهدة الله والسرور بقربه ، وطيب العيش بسماع كلامه وخطابه ، يطربهم الحق بنفسه أبد الآبدين في روح وصاله وكشف جماله ، فابتداء أحوالهم في صباح الأزل تنزيه القدم ، وفي مساء الأبد قدس البقاء بقوله سبحانه وتعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) أي : إذ طلع في قلوبكم صبح مشرق الأزل فكونوا بنعت التنزيه في طلب عيشكم بالمشاهدة ، وإن تروا جلال ذاته وأنوار صفاته في سربال الأفعال فإن هناك مكر الفعل غالب ، لئلا تقعوا في التشبيه من غلبة ذوق العشق ، وكذا كونوا إذا تخفى عليكم الكشوف ويأتي عليكم مساء الصحو هذا نعمة عظيمة لا يقوم الحدثان بشكرها ، فحمد سبحانه نفسه بألسنة كل ذرة من العرش إلى الثرى فعلا وصفة بقوله : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فهذا وصف تنزيه العارفين في يدي سماعهم ومنتهى حالهم في السماع ، وهم في روضة شهود الأنس سمعوا بأرواحهم القدسية وعقولهم الملكوتية سماع الحق من نفسه حيث قال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) كيلا يقعوا في بحار الأنانية من حدة سكرهم في المحبة والمشاهدة ، فيخرجوا عليه بدعوى الربوبية ، ليس هاهنا مقام هذا المقال ، إنما أردنا