شرح مقام السماع فإن الله بجوده وجلاله يطّيب أوقات عشّاقه بكل لسان في الدنيا وكل صوت حسن في الآخرة.
قال الأوزاعي في تفسير قوله : (فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) : إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت.
وقال : ليس أحد من خلق الله عزوجل أحسن صوتا من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع على سبع سماوات صلواتها وتسبيحها.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين منها كما بين السماء والأرض ، والفردوس أعلاها سموّا وأوسطها محلة ، ومنها يتفجر أنهار الجنة وعليها يوضع العرش يوم القيامة. فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله إني رجل حبّب إليّ الصوت الحسن فهل في الجنة صوت حسن؟ فقال : أي والذي نفسي بيده إن الله ليوحي إلى شجرة في الجنة أن أسمعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عن البرابط والمزامير ، فترفع صوتا لم يسمع الخلائق مثله قط في تسبيح الرب وتقديسه» (١).
وعن أبي الدرداء قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكّر الناس فذكر الجنة وما فيها من الأزواج والنعيم ، وفي آخر القوم أعرابيّ فجثا لركبتيه ، فقال : يا رسول الله هل في الجنة من سماع؟ قال : نعم يا أعرابي ، إن في الجنة لنهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء خوصانية يتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها قط ، وذلك أفضل من نعيم الجنة ، قال : فسأل أبو الدرداء : بما يتغنين؟ قال : بالتسبيح إن شاء الله. قيل الخوصانية المرهفة الأعلى الخمصة الأسفل» (٢).
وعن مغيرة عن إبراهيم قال : «إن في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة ، فإذا أراد أهل جنة السماع بعث الله ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار ، فتحركت تلك الأجراس بأصوات ، لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا» (٣).
وسئل أبو هريرة : «هل لأهل الجنة من سماع؟ قال : شجرة أصلها من ذهب وأغصانها من فضة وثمرها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت ، يبعث الله ريحا فيحكّ بعضها بعضا ، فما سمع أحد شيئا أحسن منه» (٤).
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١٠٢٨) ، والترمذي (٤ / ٦٧٤).
(٢) رواه ابن حبان في المجروحين (١ / ٣٣١) ، وابن عدي في الكامل (٣ / ٢٨٥).
(٣) ذكره القرطبي في تفسيره (١٤ / ١٣).
(٤) رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (١ / ٤٦٠).