السبب والاشتغال بالوسيلة ، ألا ترى كيف دعا العارف من التفرقة إلى الجمع بقوله : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ؛ لأن من بلغ إلى الحق فالرجوع إلى غيره ، وإن كان وسيلة الحسنة فهو شرك ، وشكر المفرد معرفة المشكور بنعت الاعتراف بالعجز عن شكره ؛ لأنه تعالى أجلّ وأعظم من أن يشكره أحد سواه ، وشكر الوالدين ؛ لأنهما مدارج أفعال الربوبية ، وإذا شكرت الفعل شكرت الصفة ، وإذا شكرت الصفة شكرت الذات ، وإذا كنت كذلك فقد وصلت إلى عين الجمع ، فالأول جمع الجمع ، وهو قوله (أَنِ اشْكُرْ لِي) ، والثاني عين الجمع ، وهو قوله : (وَلِوالِدَيْكَ) ، فإذا كنت مشاهد الكل في عين الجمع فصار عين الجمع جمع الجمع ، كذلك أدق الإشارة بقوله : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ؛ لأن عين الجمع وجمع الجمع واحد في صورة التوحيد لا في حقيقة التوحيد ؛ لأن حقيقة التوحيد إفراد القدم عن الحدوث.
وقال ابن عطاء : اشكره حيث أوجدك ، وكثيرا ما سمعت سيدي الجنيد يقول في خلال كلماته : (اشكر من كنت منه على بال حين خلقك ، واشكر والديك إذ ههنا سبب كونك ، فمن استغرقه شكر المسبب قطعه عن شكر السبب ، ومن لم يتحقق في شكر المسبب رد إلى شكر السبب).
قال الأستاذ : شكر الحق بالتعظيم والتكبير ، وشكر الوالدين بالإشفاق والتوقير.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٥]
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥))
قوله تعالى : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) : والمعروف ههنا أن تعرفهما مكان الخطأ والغلط في الدين عند جهالتهما بالله.
قال بعضهم : عاملهما معاملة جميلة ، وقوله تعالى : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) : إذ قال فلا تطعهما نفى عنه متابعة المغالطين وحثّه على متابعة المنيبين إليه من الصادقين.
قال ابن عطاء : صاحب من ترى غلبة آثار أنوار خدمتي عليه.
(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦))
قوله تعالى : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) : كيف يخفى على موجد الأشياء شيء وهو منشئه ؛