حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠))
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ) : خشية الأنبياء من العتاب وخشية الأولياء من الحجاب وخشية العموم من العذاب.
كما قال ابن عطاء في هذه الآية : هذه خشية السادة والأكابر ، وإنما خشية عوام الخلق من جهنم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) (٤١) : الذكر الكثير انحسار القلوب في أودية الغيوب عن السير في أنوار النعوت والصفات واضمحلال أسرارها في سنا الذات في جميع الأنفاس بلا فترة ولا غشية.
قال النصرآبادي : وقّت الله العبادات كلها بأوقات إلا الذكر ؛ فإنه أمر أن يذكر ذكرا كثيرا ، والذكر الكثير للقلب ، وهو ألا يفتر القلب عن المشاهدة ، ولا يغفل عن الحضرة بحال ، ألا تراه لما رجع إلى المعلوم وقّت (١) وقال : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ، وأنشد :
الله يعلم أنّي لست أذكره |
|
وكيف أذكر من لست أنساه |
قال أبو الحسين بن هند : ناداهم ، ثم خص النداء ، ثم كنّاهم ، ثم أشار إليهم بالتوحيد ، ثم أمرهم بإقامة العبودية ، ثم منّ على نبيهم بذلك ، ولم يمنّ عليهم ؛ فإنه إنما خصهم بسببك ، والذكر إقامة العبودية.
(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣))
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) : صلاة الله اختياره العبد في الأزل بمعرفته ومحبته ، فإذا خصه بذلك جعل زلاته مغفورة ، وجعل خواص ملائكته مستغفرين له ؛ لئلا يحتاج إلى الاستغفار بنفسه من اشتغاله بالله وبمحبته ، وبتلك الصلاة يخرجهم من ظلمات
__________________
(١) اعلم أن الكثرة هنا عبارة عن : الاستيعاب والإحاطة بجميع الأوقات والحالات ، كما أن القلة في قوله تعالى في حق المنافقين : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ١٤٢] عبارة عن العدم : أي لا يذكرون الله تعالى إلا ذكرا هو ليس بذكر عنده تعالى ؛ لأنهم إنما يذكرون باللسان فقط ، والذكر اللساني المجرّد عن اعتقاد الجنان وإخلاصه قليل معدوم بالنسبة إلى الذكر القلبي ؛ لأن المقصود عمارة الباطن لا عمارة الظاهر ، فظهر أن الخلوص بمنزلة الإكسير الخالص في القلب.