(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) : فطرة الإنسانية وقعت من الغيب مضطربة متحركة إلى الأزل بنعت الافتقار إليه كانجذاب الحديد إلى المغناطيس ؛ لأنها بنعت وقعت ، العشق والعاشق مفتقر إلى معشوقه انفعالا ، فمن عرفه بالأزلية والأبدية يفتقر إليه افتقارا قطعيّا ؛ لأن بقاءه لا يكون إلا به ، وإذا كان كذلك صار غنيّا بالله متصفا بغناه غنيّا به عن غيره مفتقرا إليه ، فإذا كان في محل الصحو يكون مفتقرا إليه ، وإذا كان في محل السكر بقي في رؤية غناه عنه ، فصار محجوبا عنه ولا يدري.
__________________
ـ والأنوثة ، وغير ذلك. وقوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) ما نافية ، والتعمير عمر ، وهو مدة عمارة البدن بالحياة ، والمعمّر من أطيل عمره ، (من مّعمّر) : أي من أحد ، ومن زائدة لتأكيد النفي ، وسمّي معمّرا باعتبار مصيره ؛ فهو من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه ؛ والمعنى وما يمدّ في عمر أحد. (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) من النقص ؛ وهو متعد ؛ بمعنى : كم ، والضمير للمعمّر على الاستخدام ، فيراد بضميره ما ؛ من شأنه أن يعمّر : أي ولا ينقص من عمر أحد ؛ ومعنى ، (لا ينقص من عمره) بعد كونه زائدا ؛ إذ العمر لا يزيد ، ولا ينقص ؛ بل على معنى لا يجعل من الابتداء ناقصا.
قوله تعالى : (إِلَّا فِي كِتابٍ) أي اللوح ، أو علم الله ، أو صحيفة كل إنسان ؛ لأن الملك يكتب والمولود في بطن أمه سعادته وشقاوته ، وأجله ورزقه ، فلا يتغيّر ذلك ؛ لأن بطن الأم لوح العلم ، (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) لاستغنائه عن الأسباب ؛ فكذا البعث ، فمن آمن به على هذا الوجه ؛ سلم من الاعتراض ، والإنكار ، واتّبع الهدى والحكمة في كل الأفعال والآثار.