يَسِيرٌ (١١) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤))
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) : سهّل الله سبحانه طريق الوصول إلى العزة القديمة لطلاب العزة ، وهو الاتصاف بصفاته والتخلق بخلقه ، فإذا عرّفه بالعزة صار منورا بنور عزته ، عزيزا بما كساه الحق من سناء عزته ، فإذا كان مزينا بنور العزة صار سلطانا من الحق يذل عنده جبابرة العالم ، ولا يكون ذلك إلا بعد فنائه في بقاء الله.
قال سهل : العزة النصرة ؛ فليطلب ذلك من عند الله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه ، ثم بيّن سبحانه ألا يصل إليه إلا ما بدا منه بقوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) ، الكلم الطيب ما تلقفه الأرواح القدسية في بدو الأزل من الحق سبحانه حين قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) ، ولا يصل ذلك إلا إليه ؛ لأن الحدثان لا يكونا محل الإفراد الفردانية بل الأزلية مصادر التوحيد ، ألا ترى كيف قال : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ) يعني لا إلى غيره ، والعمل الصالح عمل القلب ، وهو محبة الله والشوق إلى لقائه ، والمحبة والشوق أيضا مصدرهما صفة الحق فيصحبان الكلمة ؛ لأن الكلمة والمحبة خرجتا من معدن الألوهية ، فمنه بدأتا ، وإليه تعودان.
قال سهل : ظاهره الدعاء والصدقة ، وباطنه عمل بالعلم والاقتداء بالسنة يرفعه ، أو يوصله الإخلاص (١).
__________________
(١) في قوله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) أي ابتداء خلقكم من التراب في ضمن خلق آدم منه ؛ لتكونوا متواضعين ؛ كالتراب ساكتين تحت الأقدار. (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي : ثم خلقكم من نطفة خلقا تفصيليا ؛ لتكونوا قابلين لكل كمال ؛ كالماء الذي هو سرّ الحياة ، ومبدأ العناصر الأربعة ، (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أصنافا أحمر وأبيض وأسود ، وذكرانا وإناثا ، (تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) هو فاعل تحمل ، ومن مزيدة لاستغراق النفي وتأكيده ، (وَلا تَضَعُ) كون تلك الحامل والواضع ملتبسة بعلمه ، تابعة لمشيئته ، (إِلَّا بِعِلْمِهِ) حال من الحامل دون المحمول ؛ لأن العلم بالحامل والواضع يتضمّن العلم بالمحمول والموضوع ، فيعلم تعالى مكان الحمل ، ووضعه ، وأيامه ، وساعاته ، وأحواله ، وأحواله من النقصان والتمام ، والذّكورة ـ