لطائف الحكمة ، وشريف الذكر ونور المعرفة.
قال الأستاذ : صاد مفتاح اسمه الصادق ، والصبور ، والصمد ، والصانع أقسم بهذه الأسماء (وَالْقُرْآنِ.)
وقال ابن عباس : صاد كان بحرا بمكة ، وكان عليه عرش الرحمن ؛ إذ لا ليل ولا نهار.
وقيل في صاد : أن معناه صاد محمل قلوب الخلق وأسمائها حتى آمنوا به.
وقال بعض المشايخ في قوله : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) أي : ذي البيان الشافي والاعتبار ، والموعظة البليغة وقال الجنيد : ذي الموعظة البليغة ، والنور الشافي وقيل : (فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) أي : في غفلة وإعراض عما يراد بهم ، وذلك منهم قريب قوله : (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) ، وصف الله سبحانه ضعف قلوب الكافرين عن حمل وارد أنوار ربوبيته حين هجمها صولات العظمة ، فانهزموا عن سطوات عزته ، ورجوعهم إلى المحدثات أي : اصبروا على مشاهدة أمثالكم ؛ حتى لا تجذب قلوبكم أنوار سلطانه المحيطة لوجودكم جميعا ؛ كيلا تحترقوا فيها ، وأيضا اصبروا على آلهتكم حين دفعكم عن شهودها قهر جبروت الأزل التي تصدر من كل ذرة من العرش إلى الثرى ، فإن الصبر مع الحدث ممكن ومع القدم لا يمكن ، وهذا دأب ضعفاء المريدين في مشاهدة جلال الحق يفرون منه من عظم سطوات قدوسيته إلى مقامات العبودية ، وهذا من غلبة شفقتهم على نفوسهم ؛ حتى لا يفنوا في أنوار الكبرياء ، ويشتغلون منه بالوسائط مثل رؤية المستحسنات من الكونين ، وهذا علة طارئة على الجمهور من السالكين.
قال بعضهم : هذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على دينهم.
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦))
قوله تعالى : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) : كانوا منطمسة العيون عما ألبسه الحق من أنوار ربوبيته وسنا جلاله وجماله ، لم يروه إلا بالصورة الإنسانية التي هي ميراث آدم من ظاهر الخلقة ، فهذا كقوله : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) ، وهم لا ينظرون ،