قال ابن عطاء : (مُبارَكٌ) على من سمعه منك ، فيفهم المراد منه وفيه ، ويحفظ آدابه وشرائعه ، وفيه موعظة لأولي العقول السليمة الراجعة إلى الله في المشكلات.
قال بعضهم : من أصابته بركة القرآن رزق التدبر في آياته ، ومن رزق التدبر في آياته لم يحرم التذكر والاتعاظ به.
قال الله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ.)
قال بعضهم : (مُبارَكٌ) عليك بإنزاله عليك ، فإنك المخاطب به ، وأنت المبين له ، (مُبارَكٌ) على من يسمعه ، ويتبع أوامره ، و (مُبارَكٌ) على من يتذكر فيه الأوامر والنواهي والمواعظ ، فيتعظ بما يعظ به الكتاب ، علما بأنه من عند سيده فيفتخر بأنه خاطبه بما خاطبه.
قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ) : ذكر منته على عشقه داود بعد جريان حكم القدر في أمر الامتحان الذي أخرج من نفس العشق والمحبة العبد المحمود بثناء الحق عليه بقوله : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٣٠) ، وذلك أنه لما خلعه الحق كسوة الربوبية نظر إلى تلك الكسوة ولم ير منها لنفسه شيئا علم أنها هي الحق ظهر منه للعالمين ، فأحالها إليه بنعت رجوعه إليه فزعا خاشعا صابرا شاكرا مقرّا بالعبودية ، هذا وصف من ألبسه الحق لباس القدم ، فرجع منه إليه بنعت التضرع والفزع ؛ حيث قال : «أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك» (١) ، فرّ منه إليه بعد ذوق مباشرة الصفة قال : «أنا العبد لا إله إلا الله» (٢) ؛ لأنه كان عالما بخفيات مكر الأزل ، ليس كمن سكر واغترّ بسكره فقال أنا الحق ؛ فإنه من أوائل قطرات جرعة أقداح أفراحه التي امتلأت من أشربة بحار الآزال والآباد ، فوصف الله سليمان بهذا الوصف ؛ لعلمه بمكره القديم.
قال بعضهم : العبودية هي الذبول عند موارد الربوبية ، والخمود تحت صفات الألوهية.
وقال الأستاذ : كان أوّابا إلى الله ، رجّاعا في جميع الأحوال في النعمة بالشكر ، وفي المحنة بالصبر.
(رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣))
قوله تعالى : (رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) : هذا من جملة امتحان
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ٣٥٢) ، والترمذي (٥ / ٥٢٤).
(٢) ذكره المصنف في مشرب الأرواح.