لِلْكافِرِينَ (٣٢))
قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) : فرّق الله بين موت حبيبه صلىاللهعليهوسلم ، وبين موت غير في مضمون الخطاب ومظنة الإشارة أي : إنك ميت عند صعقات سطوات تجلي أزلياتي ؛ حيث تفنى ضباب عصمتي عند ظهور أنوار كبريائي ؛ حتى لا تحاسب عن وجودك في ظهور وجودي لك ، فإن الحادث إذا قورن بالقديم زال الحادث وبقي القديم ، (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) بنزع الأرواح منهم ، وأيضا : (إِنَّكَ مَيِّتٌ) منسلخ من العلل الإنسانية حي بالأنوار الربانية ، (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) عن رؤية شرفك وعن إدراك مقاماتك ، إنك ميت عن غيرنا حي بنا ، وإنهم ميتون عن الدنيا ، فإذا كان يوم المعاد تظهر مقامات كل أحد ، فيخص بعضهم بالانبساط ، وبعضهم من الكمود على ما فات عنه من كرائم مواهبه السنية ولطائفه الكريمة.
قال ابن عطاء : (إِنَّكَ مَيِّتٌ) أي : غافل عما هم من الاشتغال بالدنيا ، (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) عما كوشفت به من حقائق التقريب والقرب.
وقال بعضهم : إنك ميت عن بشريتك باطلاع بركات الحق عليك.
وقيل : (إِنَّكَ مَيِّتٌ) عن رؤية الأكوان بما فيها بمشاهدة المكون (١).
وقال أبو العباس بن عطاء : (إِنَّكَ مَيِّتٌ) عن شواهد ما استتر ، (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) عن شواهد ما أظهر.
(وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥))
قوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) : وصف الله كل صادق يعرف مقامه وحاله بين يدي الله ، فصدق بما أعطاه الله من الولاية والكرامات والمشاهدات والفراسات والخطابات والمكاشفات ، ولا يجري على قلبه شكّ ولا ريب مما نال من الحق ، ولا يتردد في حاله ، بل متمكن مستقيم ، لا يضطرب عند طوارق الامتحان ، وأيضا وصف الحبيب صلوات الله وسلامه عليه والصديق الذي هو أول من قبل منه الرسالة رضي الله عنه.
__________________
(١) إشارة إلى نعيه صلىاللهعليهوسلم ونعي المسلمين إليهم ليفرغوا بأجمعهم عن مأتمهم ولا تعزية في العادة بعد ثلاث ومن لم يتفرغ عن مأتم نفسه ، فإذا فرغ قلبه عن حديث نفسه وعن الكونين بالكلية ، فحينئذ يجد الخير من ربه وليس هذا الحديث إلا بعد فنائهم عنهم. حقي (١٢ / ٢٧٩).