اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣))
قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) : خلق الله الأرواح قبل الكون بين النور والسرور ، وتجلى لها من حسنه وجماله ، فارتاحت بروح ملكوته ، واستبشرت بجمال جبروته ، فلما أدخلها في الأجساد انقبضت من الاحتجاب بها عن تلك النسائم ، فتشامت ، واستنشقت نفحات معادنها في الأشباح ، فيتلطف عليها الحق سبحانه ، فيخرجها كل ليلة من الأشباح ، ويطيرها في بساتين ملكوته ، ويلبسها سربال نوره ، حتى تجددت عليها لذائذ المحبات وحلاوات المشاهدات ، وتزيد رغبتها في قرب مولاها وخدمته ، فمن حان أجلها من خروجها من الدنيا إلى الحضرة يمسكها عند توفيها إما بالموت وإما بالنوم ، ومن بقي لها بعض سيرها في عالم الامتحان يرسلها إلى محلها إلى وقت خروجها بالكلية إلى عند مولاها ، وفي الحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ أرواح المؤمنين تصعد كلّ ليلة إلى تحت العرش ، فمن نام على طهارة أذن لها بالسجود ، ومن لم ينم على الطهارة لم يؤذن» (١).
قال سهل : إن الله إذا توفى الأنفس أخرج الروح النوري من لطيف نفس الطبع الكثيفي ، فالذي يتوفّى في النوم من لطيف نفس الطبع ، لا لطيف نفس الروح ، والنائم يتنفس تنفسا لطيفا ، وهو نفس الروح الذي إذا زال لم يكن للعبد حركة وكان ميتا.
وقال : حياة نفس الطبيعي بنور لطيف ، وحياة لطيف نفس الروح بذكر الله.
وقال أيضا : الروح يقوم بلطيفة في ذاتها بغير نفسي الطبع ، ألا ترى أن الله خاطب الكل في الذّر بنفس وروح وفهم وعقل وعلم لطيف بلا حضور طبع كثيف؟!
(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤))
قوله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) : بيّن أنه مرجع الكل الشافع والمشفع ؛ حتى يرجع العبد العارف إليه بالكلية ، ولا يلتفت إلى أحد سواه.
قال الواسطي : قطع أطماع العباد عن أن يصل إليه أحد إلا به بقوله : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) ، و (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ.)
(وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦))
__________________
(١) رواه الحكيم الترمذي في النوادر (٣ / ١١٦) بنحوه.