قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) : صورة الآية وقعت على الجاحدين والمنكرين الذين ليس في سجيتهم إلا متابعة الأشكال والأمثال من حيث التشبيه والخيال ؛ لأن قلوبهم خلقت على مشاكلة الأضداد والأنداد وقبولها ، ولم يكن في قلوبهم سجية طباع أهل المعرفة بالله ، فإذا سمعوا ذكر من لا يدخل في الخيال والمثال انقبضت قلوبهم وصدورهم ، ونفرت عقولهم عن الاستقامة في الإقبال إلى الموجود الواحد بالوحدانية ، القديم بالأزلية ، الباقي بالأبدية ، المنزّه عن إدراك الخليقة ، فإذا سمعوا ذكر غير الله من الصورة والأشباح سكنت نفوسهم إليها من غاية غباوتهم وكمال جهالتهم ، وهم مثل الصبيان ؛ إذ هم يفرحون بالأفراس الطينية والأسود الخشبية ، ولا يطيقون أن ينظروا إلى عدو العاديات ، وأن ينظروا إلى صوارم الباديات ، ومعنى الآية يقع على ضعفاء المريدين الذين طابوا برؤية الالتباس في مقام المحبة ، فإذا بدا باد من أنوار سطوات عظمته جلّ جلاله بقلوبهم فنيت قلوبهم ، وطاشت عقولهم ، واضمحلت أرواحهم ، فإذا خرجوا من تلك البحار ورأوا أنوار الصفات في الآيات يستبشرون بقوة الوسائط في رؤية الصفات.
قال سهل : جحدت تلك القلوب مواهب الله عندها.
قال أبو عثمان : كل قلب لا يعرف الله فإنه لا يأنس بذكره ولا يسكن إليه ولا يفرح به ، ألا ترى قوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ)؟!
(وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨))
قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) : هذه الآية خبر من الله للذين فرحوا بما وجدوا في أوائل البدايات مما يغترّ به المغترون ، وقاموا به ، وظنوا ألا مقام فوق مقامهم ، فلما رأوا ما بخلاف ظنونهم لأهل معارفه وأحبائه وعشاقه من درجات المعرفة وحقائق التوحيد ولطائف المكاشفات وغرائب المشاهدات ماتوا حسرة ، وأيضا سكن قوم إلى الأنوار وظهور بدائع صنيع الحق ، واطمأنوا إليها ، وظنوا أنها هو ، وهم أهل الغلطات ، فلما بدا لهم من الله جلال عزته وعزائم قدرته علموا أنهم ليسوا على شيء من معرفة الله ، وظاهر الآية يتعلق بأهل الرياء والسمعة الذي يعجبون قبول الخلق واستحسانهم ظواهرهم من الزيّ والعبادة ، واغترّوا بمراعاتهم ، وظنوا أنهم على شيء عند الله من ذلك ، فإذا بدا لهم من الله بيانا يوم القيامة أنهم مشركون بالرياء والسمعة افتضحوا هنالك عند العارفين