وقال النوري في هذه الآية : هم الذين ادّعوا محبة الله ، ولم يكونوا فيها صادقين.
(اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣))
قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) : افهم يا مبارك سر هذه الآية ؛ فإن الله سبحانه أخبر فيها من سر نفسه كان في أزل الأزل بحار الألوهية متلاطمة قهارة زاخرة ، ولم يكن لمكان قهره مقهور ولعزته ذليل ، فغلب عزّه قهره وجلال سلطانه ونور مشيئته وإرادته ، فأوجد الكون ، فجاء الكون من العدم مقهورا ذليلا لقهره وعزته قهر المخلوقات ؛ إذ لم يكن في القدم مكان القهر والمقهورية ، فإذا تصاغر الأكوان في قدم الرحمن وسطوات كبريائه ، وكادت تضمحل أمسكها بلطفه من قهره ، وهذا معنى قوله : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ.)
وقال الحسين : كل شيء أراد الله به الإهانة والتذليل ألبسه لباس المخلوقية ؛ ألا ترى كيف نزّه عن ذلك صفاته وكلامه؟! قال : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ، المخلوقات ليس لها عزّ إلا بالنسبة إلى خالقها ، وأنها مخلوقة ، فبنسبته إليها أعزها.
قوله تعالى : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : مقاليده قدرته القديمة ، وإرادته الأزلية ، أبواب الأكوان متعلقة بأفعال المشيئة ، في خزائنها أنوار القدوسية ، وعرائس المشاهدة في حجال الأفعالية ، فإذا أراد للعبد العارف السعادة الكبرى يفتح أبوابها بمقاليده حتى يبرز منه لأبصار عشاقه أنوار جماله ، فيعيشون بلذة مشاهدته ، ويطيبون في لذة المواجيد ، ويفرحون بما يجدون من نضارة وجهه الكريم ، ويطيرون في سنا قربه وهواء هويته بأجنحة المحبة والمعرفة والمودة.
قال سهل : بيده مفاتيح القلوب ، يوفّق من يشاء لطاعته وخدمته بالإخلاص ، ويصرف من يشاء عن بابه.
(قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤))
قوله تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) : إن الله سبحانه حثّ حبيبه عليه الصلاة والسلام على تعبير الغالطين والمقبلين إلى الدنيا بأنهم جاهلون حق الله وحق عبوديته ؛ إذ لا يقع للحدثان عبودية ، بل لا يستحق للعبودية إلا الرحمن القديم أي : كيف أعبد غير الحق ، وأنا أعرف عجز الحدثان ، وكيف أنصرف من الخالق إلى المخلوق ، وأنوار سلطان قهره محيطة بكل ذرة من العرش إلى الثرى أي : أنا محفوظ مصون بصون الأزلية