وعناية الأبدية عن أن يجري على قلبي الشرك في ربوبية خالقي.
قال أبو عثمان : عبادة الله على الإخلاص تنفي عن صاحبه الجهل والريب والشبهة.
(ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخسرين (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧))
قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) : هذا من أوائل أحوال النبي صلىاللهعليهوسلم حين دخل فرسان أسراره
في ميادين الآزال والآباد ، ورأى جبروتا في جبروت وملكوتا في ملكوت وعزّا في عزّ وبحرا في بحر وسلطانا في كبرياء وكبرياء في عظمة ، فما رأى للقديم الأزلي أهلا من الحدثان ، وما رأى أثرا من نفسه في جناب الربوبية ، فكاد يخطر بقلبه أنه معطل ، قال الله : كلا (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ) : يعني الرسالة والنبوة والأنباء العجيبة ، ولا شك في حالك ؛ فإنك مكرّم بسابق عنايتي واصطفائيتي الأزلية ، ولك إخوان حلّ بهم ما حلّ بك من الأحوال السنية وغرائبات أنوار العزة ، انظر إلى ما وهبت لك من تلك الكرامات ، ولا تنظر إليها مني ؛ فإن الالتفات إلى المقامات في المكاشفات والمشاهدات شرك ، وإذا وقفت عني على حظك مني لتحبطن أحوالك ؛ فإن الكلّ قائم بي.
قال أبو العباس بن عطاء : أي : لئن طالعت بسرّك إلى غيري لتحرمنّ من حظك من قربي.
وقال ابن عطاء : هذا شرك الملاحظة والتفات إلى غيره.
وقال جعفر : لئن نظرت إلى سواه لتحرمن في الآخرة لقاءه ، ثم أكّد إلا وعليه الحق سبحانه في إفراده عن غيره وإقباله إليه بنعت ترك ما سواه.
قال : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٦٦) أي : كن خالصا لله لا لغيره فيك نصيب ، وكن شاكرا له بنعت ألا ترى صنيعك في البين شيئا ، وأظهر عجزك في معرفة المشكور ؛ فإنه الشكر لا غير ، واسكن عن الشوق إلى إدراك كل القدم ؛ فإنه لا يدخل تحت إدراك الحوادث ، وهو أجلّ عن أن تدركه بنعته بمعنى الإحاطة ، وخذ ما آتيتك ، وكن من الشاكرين ؛ فإن الخلق لا يصلون إلى كنه الأزليات والأبديات ، وذلك قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) : كيف يقدرون حق قدره ونعوته الأزلية جلت من أن تحويها الحوادث ، وتحيط بها الأماكن ، وتدركها الأبصار ، وتفطنها الأفهام والأفكار ، والأرواح محترقة في أول بوادئ