أنوار قدرته ، والعقول فانية في لمعان بديع صنائعه ، والقلوب مضمحلة في لزوم واردات تقلب قضائه وقدرة؟! علم سبحانه عجز الخليقة عن وصف جلاله وإدراك كماله ؛ فإنهم لا يحتملون ذرة من أنوار ذاته وصفاته عند ظهور كشفها بنعت غلبة قهره على الأكوان والحدثان ، فأجمل القول بقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ؛ حيث وصفوه بنعت الأنداد والأضداد ، ثم فصّل من بطون الأفعال ولوائح أنوار بعض الصفات ، فقال : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) : لو وصف حقيقة نفسه بغير ذكر الأكوان والأفعال لغابوا في مهمة الأوهام ، وما تخلصوا أبدا من تراكم الأفكار في طلب الأسرار ، بل أحالهم إلى رؤية الفعل المحيط به صفاته أي : كيف تدركون من كان قهره وعظمته في مباشرة فناء العالم هكذا من حيث عقولكم ، وأن السماوات والأرضين أقل من كرة في ميادين قهر صفاته؟! وعندكم أن العظيم لو يكون من يقلع جبيلة من الجبال ، فذكر فعله على حد عقولهم ، فلما علم ترددهم في مماثلته أفعاله ووقوع عقلهم في أودية الإشكال ومخائيل الأبعاض نزّه نفسه عن ذلك في آخر الآية ، كما نزّه نفسه في أولها ، فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٧) أي : تقدّس عن أن يقيسه المتقايسون أو يشير إليه المشيرون ، أول الآية ذكر قدم القدم لأهل الفناء في التوحيد الذاتي ، وأوسط الآية ذكر ظهور جلاله وجماله بنعت الالتباس في آياته الأفعال للعاشقين ، وآخر الآية ذكر حقيقة السر الصفاتي بنعت التقديس والتنزيه ، ووصف إفراد قدمه عن الحدوث ، فرؤية الذات لأهل الفناء ، ورؤية الصفات لأهل البقاء ، ورؤية الجمال والجلال في الأفعال لأهل العشق ، وكلهم معزولون عن ساحة الكبرياء بقوله : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.)
قال سهل في قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (١) : ما عرفوه حقّ معرفته في الأصل ولا في الفرع.
وقال الحسين : كيف يعرف قدره من لا يقدر قدره سواه.
__________________
(١) القدر بمعنى التعظيم كما في القاموس فالمعنى ما عظموا الله حق تعظيمه حيث جعلوا له شريكا بما لا يليق بشأنه العظيم ويقال قدر الشيء قدره من التقدير كما في المختار. فالمعنى ما قدروا عظمته تعالى في أنفسهم حق عظمته ، وقال الراغب في المفردات ما عرفوا كنهه.
يقول الفقير : هذا ليس في محله فإن الله تعالى وإن كان لا يعرف حق المعرفة بحسب كنهه ؛ ولكن تتعلق به تلك المعرفة بحسبنا فالمعنى ههنا ما عرفوا الله حق معرفته بحسبهم لا بحسب الله إذ لو عرفوه بحسبهم ما أضافوا إليه الشريك ونحوه فافهم. تفسير حقي (١٢ / ٣٢٥).