قال الواسطي : لو طالعوا حق حقه في محبتهم لعلموا العجز عن ذلك بالكلية ، فلم يعرف قدره من ادّعى لنفسه معه مقاما ، قال الله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)
سئل الجنيد عن قوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) : متى كانت منشورة حتى صارت مطوية؟! سبحانه! نفى عن نفسه ما يقع على العقول من طيّها ونشرها ؛ إذ كل الكون كخردلة أو كجناح بعوضة أو أقل منها ، كذلك قال في قوله : (قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) : كيف لا يستحيل قيامه على هذا الكون الذي لا يزن ذرة عنده ، بل قيامه بنفسه لنفسه؟!
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠))
قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) : أول النفخ والصعقة ترشح أنوار قهر العظمة على الأكوان والأماكن والأزمان والهياكل والأمثال والصور والأشكال والأرواح القدسية الملكوتية في أكناف لطافة قائمة بوجوده ، لا يقع عليها تلوين الصفات والفزع والعقوبات ، وثاني النفخ والصعقة ظهور أنوار جماله في أنوار جلاله ، فمن ذلك تحيا الأنفس ، وتقوم الأشباح بنور الأرواح ، ينظرون إلى سرادق الكبرياء وساحة العظمة والبقاء ، ينتظرون وقوع نور الكشف بقوله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) ، يتجلى الحق سبحانه أرض أرواح العارفين والأنبياء والمرسلين ، وأرض قلوب الصديقين والمقربين ، ويظهر نور جماله لأبصار الوالهين العاشقين ، ثم يستضيء بأنوارها أرض المحشر للعموم والخصوص ، تعالت صفاته من أن يقع على الأماكن ، أو أن يكون محلا للحدثان ، يا عاقل لا يكون ذرة من العرش إلى الثرى إلا وهي مستغرقة في أنوار إشراق آزاله وآباده.
قال سهل : قلوب المؤمنين يوم القيامة تشرق بتوحيد سيدهم والاقتداء بسنة نبيهم صلىاللهعليهوسلم.
قال القاسم : أشرقت الأرض بأولياء الله ؛ فهم فيها أنوار الله ومواضع حججه وغياث عباده وملجأ خلقه.
وقال جعفر في قوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) : أهل الاستثناء محمد صلىاللهعليهوسلم وأهل بيته وأهل المعرفة.
قال بعضهم : هم أهل التمكين والاستقامة الذين استقاموا لله على بساط العبودية ،