وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠))
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٢) «الحاء» عين جنات الأزل ، و «الميم» مناهل المحبة الخاصة الصفاتية الأبدية ، ومن خصه الله بقربه سقاه من عين حياته حتى يكون حيّا بحياته لا يجري عليه بعد ذلك طوارق الفناء ؛ لأن الحق إذا تجلى من حياته التي هي صفته الأزلية لروح قدسي يخرجها من ضرر الفناء والموت ؛ لأنه هو محل الاتصاف بصفته ، وصفاته ممتنعة من تغاير الحدثان ، قال تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [آل عمران : ١٦٩] ، ثم سقاه من منهل محبته فيصير سكران شوقه وعشقه والها بجمال وجهه ، لا يمنعه من ذلك الأكوان بأسرها ، فمن حيث الحياة يحيي العالم بأنفاسه الربانية مثل عيسى عليهالسلام ، ومن حيث المحبة يطيب بجماله قلوب الخلائق أجمعين حتى يشتاقوا من النظر إليه إلى جمال الحق مثل محمد صلىاللهعليهوسلم ، ثم ينطق من جاء الحياة بعبارات الحكمة ، ومن ميم المحبة من إشارات العلوم المجهولة التي لا يعرفها إلا الواردون على مناهل القدم والبقاء ، ومعنى قوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) أي : هذان الحرفان اللذان هما مطيتان أحمالهما مظنات هذه المعاني المنزلة من عند الله الحي القيوم الملك المهيمن العزيز المتكبر العليم الحكيم إلى الحبيب المحب الذي هو وسيلة الحق من الحق إلى الحق ، والسفير منه إلى عباده وأحبائه ومشتاقيه أي : من الله الذي ألوهيته عزيزة ممتنعة عن مطالعة الخليقة الغالبة على كل ذرة من العرش إلى الثرى ، عالم ببطون