الْمُلْكُ الْيَوْمَ) ، فلم يجسر أحد على الإجابة ، وما كان بتحقيق أن يجيب سؤاله سواه ، فلما سكنت الألسن عن الجواب أجاب نفسه بما كان يستحق من الجواب ؛ فقال : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.)
وقال ابن عطاء في قوله : (الْيَوْمَ تُجْزى) : من طالع من نفسه أفعاله وأذكاره وطاعته جزي على ذلك ، ولا ظلم عليه فيه ، ومن طالع فضله ومنه أسقط عن درجة الجزاء على مقام الأفضال والرحمة بقوله : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٥٨) [يونس : ٥٨].
وقال أبو بكر بن طاهر : يريك جزاء كسبك ، وما تستحق بذلك ، لترى بعد ذلك محل الفضل والكرم.
قوله تعالى : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) وصف الله خيانة العيون وخفايا الصدور ، وقال : لا يخفى عليّ منها شيء ، وذلك أن العين باب من أبواب القلب ، فإذا رأت العين شيئا يكون حظ القلب منه ، يعلم ذلك نفسه فيطلب الحظ منه ، ومن القلب إلى العين باب يجري عليها حركة هواجس النفس تحثها على النظر إلى شيء فيه لها نصيب ، فإذا تحققت ذلك علمت أن خيانة العين متعلقة بما تخفي الصدور ، وإذا كان العارف عارفا بنفسه ويروضها برياضات طويلة ، ويقدسها بمجاهدات كثيرة ، ويزمها بزمام الخوف ، وآداب الشريعة ، صارت صافية من حظوظها ، فبقيت في سرها جلتها على الشهوات ، ففي كل لحظة يجرى في سرها طلب حظوظها ، ولكنها سترتها على العقل وأخفتها ، عن الروح من خوفهما ، فإذا وجدت الفرصة خرجت إلى روزنة العين ، فتنظر إلى مرادها ، وتسرق حظها من النظر إلى المحارم ، وذلك النظر خفي ، وتلك الشهوة خفية ، وصفهما الله سبحانه في هذه الآية ، واستعاذ منها النبي صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «أعوذ بك من الشهوة الخفية» (١).
وقال أبو حفص النيسابوري : زنا العارف نظره بالشهوة ، وافهم واسمع حقيقة ذلك أن الروح العاشقة إذا احتجبت عن مشاهدة جمال الأزل تنقبض وتطلب حظها ، ولا تقدر أن تنظر إلى ، الحق فتطلب ذلك من صورة الإنسانية التي فيها آثار الروحانية ، فتنظر من منظره إلى منظر العقل ، ومن منظر العقل إلى منظر القلب ، ومن منظر القلب إلى منظر النفس ، ومن منظر النفس إلى منظر الصورة ، وتنظر من العين إلى جمال المستحسنات ، لينكشف لها ما يستر
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٤ / ١٢٥).