قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) أي : فاصبر في بلائنا ؛ فإن النصر مع الصبر ، وإن الظفر مع تحمل البلاء ، وإن وعد كشف الجمال الأزلي من الله لك ولمحبتك حق ، واستغفر لما جرى على قلبك من أحكام البشرية ، وأيضا استغفر لوجودك في وجود الحق ، فإن كون الحادث في كون القدم ذنب في إفراد القدم عن الحدوث ، وأيضا استغفر من وقوفك على مقامك بين يديّ ، فإن الوقوف في ميادين الآزال والآباد ذنب لسلّاك المحبة ، ونزهني وقت إشراق أنوار شمس وجودي لك من أن تدركني بالحقيقة ، وحمدني ومجدني حين تغيب عنك ، وبقيت في الصحو من السكر.
سئل بعضهم : الصبر على العافية أشد أم على البلاء؟ فقال : طلب السلامة في الأمن أشد من طلب السلامة في الخوف.
قوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أي : ادعوني في زمان الدعاء الذي جعلته خاصا لإجابة الدعوة ، فادعوني في تلك الأوقات ، (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ؛ فإن وقوع الإجابة فيها حقيقة بلا شك ، ومن لم يعرف أوقات الدعاء فدعاؤه ترك أدب ؛ فإن الدعاء في وقت الاستغفار من قلة معرفة المقامات ، فإن السلطان إذا كان غضبان لا يسأل عنه ، وإذا كان مستبشرا فيكون زمانه زمان العطاء والفضل ، ومن عصى السلطان ، ويسأل منه شيئا فيضرب عنقه ، ومن يطع السلطان ثم يسأل ؛ فإنه أجدر أن يعطيه مأموله ، وأيضا (ادْعُونِي) في وقت غليان قلوبكم بالشوق إلى لقائي ، (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) بكشف جمالي ، وأعطيكم مأمولكم لذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «ادعوا الله على رقة قلوبكم.
وأيضا ادعوني بلا سؤال (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) بلا محال ، فإنك إذا شوقت إلى جمالي تدعوني لنفسي ، فوجب من حيث الكرم أن أجيب لك بنعت مرادك ، فإنك إذا سألت شيئا لم تدعني بل دعوت مرادك.
قال بعضهم : (ادْعُونِي) بلا غفلة ، (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) بلا مهلة.
قال الوراق : ادعوني على حد الاضطرار والالتجاء حيث لا يكون لكم مرجع إلى سواي (أَسْتَجِبْ لَكُمْ.)
وقال محمد بن علي : من دعا الله ، ولم يعمر قبل ذلك سبيل الدعاء بالتوبة والإنابة وأكل الحلال واتباع السنن ومراعاة السر كان دعاؤه مردودا ، وأخشى أن يكون جوابه الطرد واللعن.