عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨))
قوله تعالى : (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) : كان في علم الله في أزل أزله أنه يوجد الكون من العدم ، فأوجده بحق العلم السابق ، وذلك الحق حقّ سوابق إرادته الأزلية على وجود الأكوان والحدثان ؛ لتحقق بأنوار حقائق اصطناعه حقائق أنوار قلوب العارفين ، وليتطرقوا بوسائط الشواهد إلى مشاهد جلاله وجماله ؛ لئلا يحترقوا بالبديهة في بروز سطوات قدسه وكبريائه.
قال ابن عطاء : خلق السماوات والأرض ، وأظهر فيهما بدائع صنعه وبوادي قدرته ، فمن نظر إليهما فرأى فيهما آثار الصنع فهو لتيقظه ، ومن نظر وشاهد الصنائع فهو لتحققه.
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢))
قوله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) : بيّن الله سبحانه أن حال حبيبه عليه الصلاة والسلام حالة معروفة في الملكوت والعالمين ، وهي ما جرت على جميع الأنبياء والمرسلين من كشوف أسراره ، وبروز أنواره ، وظهور نفسه لهم ، وإخباره عن نفسه ، وملكه إياهم ليدعوا العباد إلى ساحة قربه وخدمته ، أي : ما كنت بأول من الأنبياء والرسل ، ولست عجيبا بحالتي ونبوتي ؛ فإن النبوة سنة الله التي جرت على إخواني من الأنبياء والرسل ، وهي معروفة بأنه دعا الخلق بلسان الأنبياء إلى طاعته ومعرفته