قال بعضهم : أوصى الله العوام ببرّ الوالدين لما لهما عليه من نعمة التربية والحفظ ، فمن حفظ وصية الله في الأبوين وفقته بركة ذلك لحفظ حرمات الله تعالى ، وكذلك رعاية الأوامر والمحافظة عليها توصل بركاتها بصاحبها إلى محل الرضا والأنس.
وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) : وصف الله الصدّيقين في طرفين من أعمارهم أنهم في عنفوان شبابهم ، وأشد أسنانهم أهل الاجتهاد والرغبة في الطاعات ، وفي أربعين سنة هم أهل الكمال في العقول والفهوم والاستعداد لقبول الوحي والإلهام والكلام والكشف والعيان ، ألا ترى كيف عرف شأنه الصديق رضي الله عنه حين بلغ أربعين سنة في صحبة النبي صلىاللهعليهوسلم في أول شبابه بما أخبر الله عنه بقوله : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) : ألهمني رشد التوفيق ، وألبس قلبي ولساني نور عرفانك وقوة فيض مشاهدتك ، أشكر بهما نعمة مشاهدتك ومعرفتك وصحبة رسولك ؛ فإنه أعظم النعم منك عليّ وعلى والدي.
قال ابن عطاء : خاطب الله الأنبياء ، وبعثهم عند كمال الأوصاف وتمام العقول ، وهو الوقت الذي أخبر الله تعالى عن تمام خلقه عباده ، (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.)
وقال سهل في قوله : (رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي : ألهمني التوبة والعمل بالطاعة.
وقوله تعالى : (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) : العمل الصالح المقرون بالرضا بذل النفس لله والخروج مما سوى الله للوصول إلى مشاهدة الله.
قال سهل : العمل المرضي ما كان أوائله على الإخلاص مقيدا باتباع السنن.
قوله تعالى : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) : اجعلهم أولياءك وأهل معرفتك وطاعتك.
قال سهل : اجعلهم لي خلف صدق ، ولك عبيد حقّ.
وقال محمد بن علي : لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلا.
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩))
قوله تعالى : (فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا) : وصف الله أهل معرفته من الجن كيف حبست ألسنتهم هيبة الخطاب وحشمة المشاهدة ، وهكذا من ألبس أنوار الهيبة والعظمة يخرس لسانه عن الانبساط والمخاطبة وإفشاء السر ، وهذا بعد شهود القلوب أنوار الغيوب بنعت إصغاء الأسرار إلى وقوع الخطاب وكشف النقاب.
قال محمد بن سليمان : ليس في مقام الحضرة إلا الخمول والذبول والسكون تحت